لم يعد الصمت كما كان في الموروث دليل حكمة ونباهة ورجاحة عقل، فالصمت في مرات عدة يخلاف وراءه جيشا من الاسئلة التي يستثيرها المرء، خصوصاً عندما يكون الصمت صادرا من شخصية ذات موقع مسئول في الدولة، فلسان هذا المسئول حينئذ ليس ملكا له وحده لكي يختار بين الصمت والبوح، فأنت أيها المسئول أو الوزير، عندما تجلس في منصب رسمي فعليك أن تتذكر انك لا تمثل نفسك فقط!
لم يعد الصمت كما كان في السابق، صمت كبت يخضع صاحبه للترهيب أو الترغيب، فالبحرين اليوم كسرت حاجز الصمت، وها هي وسائل الاعلام تكثر يوما بعد آخر. والمثير أنك حين ترى جلالة الملك يؤكد غير مرة في حديثه إلى رؤساء تحرير الصحف المحلية، ان على المسئول في أي موقع كان من الدولة أن يستجيب للإعلام الوطني الذي يريد إظهار الحقيقة ويساعد على التطوير والبناء، فهذه حسنة كبيرة تضاف إلى إيجابيات مشروع الملك الإصلاحي، وعندما ترى أيضا سمو رئيس الوزراء يكرر على أسماع رواد مجلسه الأسبوعي بأنه أصدر شخصيا توجيهاته للوزراء لفتح مكاتبهم أمام الصحافة، وأن عليهم أن يتقبلوا النقد البناء لتصحيح المسيرة. فالشفافية الإعلامية التي تشدد عليها القيادة السياسية يبدو أن صداها لم يصل إلى بعض وزرائنا ومسئولينا الذين ما فتئوا من التطنيش وإدارة الظهر للصحافة، ويتجاهلون قصدا أو سهوا توجيهات جلالة الملك وسمو رئيس الوزراء، وكأنهم يغردون خارج السرب دائما.
طبعاً ليس من الانصاف أن نعمم قاعدة التعتيم الإعلامي على كل وزرائنا، فذلك ظلم فاحش، والدليل أنك ترى (من باب المثال لا الحصر) وزراء يترأسون وزارات سيادية أو خدمية مهمة مثل الداخلية والتربية والصحة والعمل والبلديات و...، يفهمون كيف ينظمون العلاقة مع الاعلام بحكمة عالية، وهؤلاء الوزراء كثيرون.
ومن باب الشيء بالشيء يذكر، أتذكر انني ذهبت يوما إلى مكتب نائب رئيس الوزراء وزير الشئون الاسلامية الشيخ عبدالله بن خالد آل خليفة لطلب مقابلة، وخلافا لتوقعاتي، فإن الرجل كان بابه مفتوحا على رغم منزلته الكبيرة في النظام السياسي وكثرة انشغالاته، فجلست معه بصحبة زميل لي لأكثر من ساعة كاملة في حوار شيق عفوي من دون أي ترتيب مسبق.
وعلى عكس هذا التيار المنفتح تماما، تجد أحد الوزراء الذي يترأس وزارة سيادية أخرى، يمعن في صد الأبواب أمام الصحافة المرة تلو المرة، ولا يعير اهتماما لأي توجيه ملكي في هذا الشأن. أنا لا أشك مقدار ذرة في إخلاص وحسن نية الرجل، إلا أن المنطق السليم والذوق العالي لا يتطابقان وتصرفات هذا الوزير. فليس صحيحا يا معالي الوزير ان الصمت باب من أبواب الحكمة فتحه الله لخاصة أوليائه! والصمت كذلك لا يعني دائما ان «السيستم ماشي عدل»، فلربما خبأ هذا الصمت المريب من ورائه أسرارا وأسرارا
إقرأ أيضا لـ "حيدر محمد"العدد 1310 - الجمعة 07 أبريل 2006م الموافق 08 ربيع الاول 1427هـ