العدد 1310 - الجمعة 07 أبريل 2006م الموافق 08 ربيع الاول 1427هـ

المغرب يتابع مواجهة التركة الثقيلة

فايز سارة comments [at] alwasatnews.com

.

آخر خطوات الملك المغربي محمد السادس إطلاقه مشروع حل قضية الصحراء في صورة اقتراح إقامة حكم ذاتي واسع للصحراويين في ظل السيادة المغربية. وهو اقتراح كانت قد تمت فيه مشاورات مع اوساط من الصحراويين وقادة الاحزاب والجماعات السياسية في المغرب بشأن القضية، التي دعي الصحراويون للمساهمة في بلورة المشروع قبل تقديمه إلى الأمم المتحدة للحصول على دعمها ومساندتها، وقد وصف محمد السادس مبادرته بأنها جاءت في إطار «الاستشارة الديموقراطية على الصعيدين الوطني والمحلي، في موضوع حيوي بالنسبة إلى الشعب المغربي، وفي جو من الإجماع والتعبئة، من شأنها أن تفضي إلى بلورة منظور وطني متجانس وواقعي، لحكم ذاتي يضمن لجميع سكان الصحراء، إمكانية تدبير شئونهم الجهوية، في ظل الديمقراطية وسيادة القانون».

وتمثل مبادرة ملك المغرب خطوة في سياق معالجة واحدة من اخطر القضايا التي واجهت المغرب منذ استقلاله العام 1956، بما تركته في حياة المغاربة وبلدان المغرب العربي عموماً من آثار نتيجة ما احاط بها من صراعات عسكرية سواء بين القوات المغربية وقوات ثوار الصحراء الغربية (البوليساريو) أو في امتداد تلك الصراعات الاقليمية ولاسيما بين المغرب والجزائر، وهي صراعات كلفت كثيراً من الخسائر البشرية والمادية والسياسية.

والتوجه إلى معالجة قضية الصحراء، هو واحد من جوانب الجهد الذي واجهه محمد السادس على شكل ارث ثقيل ورثه عن ملكية ابيه الحسن الثاني عندما تولى زمام السلطة قبل نحو سبع سنوات، وكان في الارث قضايا داخلية ذات حساسية كبيرة في حياة المغاربة وعد محمد السادس بمعالجتها عند تسلمه زمام السلطة، ووضعها ضمن أولويات عمل حكومته في السنوات المقبلة، وشملت قضايا البطالة والفقر والتعليم وحقوق الانسان والاصلاحات السياسية والاقتصادية إلى جانب قضية الصحراء.

وبفعل التوجه لمعالجة ذلك الارث، حدثت انفتاحات سياسية نحو الاتجاهات الأكثر شعبية والتي شملت إلى جانب اليسار المغربي جماعات اسلامية والجسد الرئيسي في المعارضة التاريخية من الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، كما توجه المغرب نحو معالجة الوضع الاقتصادي في مسارات متعددة، ابرزها تسهيل فرص الاستثمارات المحلية والأجنبية، وتوقف الدولة عن تقديم المساعدات والامتيازات لرجال الأعمال، وتحويل بعض تلك المساعدات للقطاعات الشعبية من اجل اعادة تنشيط الحياة المغربية وتطويرها، وحظي الموضوع الاجتماعي باهتمام خاص من خلال مؤشرات، كان بينها التوجه نحو معالجة موضوعات الفقر في خطوات اجرائية، ابرزها ايلاء اهمية للمناطق الريفية، وتطوير خطط للتنمية فيها، وتأمين فرص عمل للعاطلين ولاسيما الشباب منهم، وتحسين سكن الفقراء على نحو ما كان مشروع بناء مئة الف وحدة سكنية لهم في طنجة، وتطوير واقع النساء المغربيات في السير نحو تحسين الوضع القانوني من خلال مدونة المرأة التي صدرت العام قبل الماضي، والسعي إلى تمكين النساء.

وعلى رغم اهمية ما تحقق في الموضوعات السابقة، فإن الخطوات الاهم في معالجة الموروث المغربي، كانت التوجه إلى معالجة اوضاع حقوق الانسان واعادة تصويب العلاقة بين الدولة والمجتمع، والتي كانت قد دمرتها السياسات السابقة، ولاسيما في موضوع انتهاكات حقوق الانسان وحرياته، وكان بين اهم الخطوات التي تمت في هذا الإطار، التوجه نحو تصفية الارث الاضطهادي للنظام من خلال اطلاق سراح المعتقلين السياسيين وعودة المنفيين من الخارج وفك الحصار عن المفروضة عليهم الاقامة الجبرية، وبدء معالجة ملفات الاختفاء القسري والسجناء السياسيين تمهيداً لبدء مرحلة جديدة في الحياة المغربية.

وكان لابد من ولادة بنى ومؤسسات ترعى السياسة الجديدة وتدفعها نحو التبلور في الدولة والمجتمع اضافة إلى التوجه نحو اشاعة قيم ومفاهيم وثقافة تتناسب وتتناغم مع تلك السياسة، وفي هذا السياق ولدت مؤسسات، كان منها انشاء وزارة حقوق الانسان، واطلاق «هيئة الإنصاف والمصالحة»، كما جرى اعلان الدولة المغربية المضي نحو تنفيذ التزاماتها لصكوك حقوق الإنسان الدولية في سياق جهد يلتزم بنشر ثقافة حقوق الإنسان وتعميمها في المغرب سواء في المستوى الشعبي العام أو على مستوى أجهزة الدولة بما فيها جهازا الأمن والقضاء، وكان ذلك تجسيداً قانونياً واجرائياً لصدقية الدولة المغربية.

غير أن خطوات اخرى، أثبتت تلك الصدقية وجعلتها أشمل، منها قيام «هيئة الإنصاف والمصالحة»، التي كلفها محمد السادس دراسة ملفات حقوق انسان في عهد أبيه بمعالجة أكثر من 16 ألف ملف لضحايا انتهاكات حقوق الانسان بين عامي 1960 و1999 بينهم حوالي تسعة آلاف استفادوا من تعويضات مالية، كما تمت تسوية ملفات نحو ست مئة من المفقودين، وإلى جانب اعتذار الدولة عما لحق مواطنيها من أذيات في الموضوع، فقد دفعت الحكومة المغربية نحو أربعة عشر مليون دولار تعويضاً لضحايا القمع الذي عرفه المغرب في السابق.

لقد شهد المغرب خطوات يختلف المغاربة على تقدير أهميتها في سياق تصفية ارث الماضي، لكنها خطوات مهمة كثيراً لجهة أنها تؤسس لنهج مختلف في الحياة الوطنية، يقوم على تطبيق القانون واحترام حقوق الانسان، والمضي نحو سياسات اجتماعية هدفها تخفيف الاعباء عن الفئات الدنيا في المجتمع المغربي وحل قضية الصحراء بما يعنيه من توفير دماء واموال المغاربة

العدد 1310 - الجمعة 07 أبريل 2006م الموافق 08 ربيع الاول 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً