نشر الأخ النائب فريد غازي مقالاً في صحيفة «الوسط» بتاريخ 2006/4/2م وعنوانه «ديوان الرقابة الإدارية بين النظرية والتطبيق»، أشار فيه إلى المشروع بقانون بشأن إنشاء جهاز مستقل للرقابة الإدارية وذلك تنفيذاً لما ورد في ميثاق العمل الوطني والذي نص على ضرورة تفعيل أدوات الرقابة الإدارية وزيادة شفافية العمل في جميع إدارات الدولة.
وأوضح النائب غازي وجهة النظر القائلة بدمج قانون الرقابة الإدارية في جهاز الرقابة المالية مع الاحتفاظ لكل رقابة بخصوصيتها المهنية للأسباب الآتية:
1- توفير النفقات من خلال توفير الكادر الوظيفي الذي يخدم الديوانين، مستشهداً بدمج الهيئة العامة للتأمينات والهيئة العامة لصندوق التقاعد.
2- توفير الوقت والإجراءات المتعلقة بإعداد تقارير سنوية، ما يشغل وقت الجهات الحكومية في إعداد المعلومات المطلوبة.
3- صغر الجهاز الإداري في البحرين.
4- تحقيق الحكومة الإلكترونية يوفر الجهد الكبير ويسهل مهمات ديوان الرقابة المالية والإدارية.
لقد أحسن النائب غازي صنعاً في استعراض هذه الأفكار التي جاءت في الوقت المناسب. وقبلها كنت بعثت بمذكرة إليه وضحت فيها الفرق الكبير بين الرقابة الإدارية والرقابة المالية، وتكرم مشكوراً بنشرها في مقاله، ولا داعي لسردها هنا مرة أخرى. ولكني سأكتفي هنا بالتعليق على وجهة النظر القائلة بدمج الديوانين في جهاز واحد، وبصفتي أحد مقدمي الاقتراح بقانون بشأن إنشاء ديوان للرقابة الإدارية، وعضواً في لجنة تفعيل مبادئ ميثاق العمل الوطني المتعلقة بتشكيل اللجنة الفرعية لمناقشة قانون ديوان الرقابة الإدارية والمشكلة بقرار رقم (4) لسنة 1002 من قبل سمو ولي العهد (حفظه الله)، ولتجربتي الشخصية العملية في هذا المجال، وإثراءً للحوار البناء في خدمة الإصلاح والتنمية في مملكتنا الحبيبة، وجدت من المناسب مشاركة أخي النائب فريد غازي في هذا الجهد الوطني، ومن هذا المنطلق أستسمح القارئ الكريم في إبداء الملاحظات الآتية:
1- إن نص ميثاق العمل الوطني على لزوم إنشاء ديوان للرقابة المالية، وآخر للرقابة الإدارية لا يحتاج إلى تفسير، فالنص واضح بلزوم إنشاء ديوانين منفصلين. ولو قصد المشرع عكس ذلك لنص على ذلك صراحة ومن دون لبس (الفصل الثالث).
2- إن توفير النفقات غير ممكن بدمج الديوانين. فاختلاف المهمتين سيحتم على الجهاز الموحد توظيف مدققي حسابات، كما سيعرض عليه توظيف محللي إدارة لأن طبيعة التخصص والمهمات الوظيفية والمسئولية لا تمكّن أحداً من القيام بعمل الآخر. كما أن الاستشهاد بدمج هيئتي التقاعد والتأمينات مقارنة غير موفقة لأن الهيئتين تؤديان أعمالاً متجانسة، أما في حال الرقابة المالية والرقابة الإدارية فإنهما مختلفان تماماً، وأن اشتراكهما في مسمى «الرقابة» لا يعني تجانس وظائفهما أبداً.
3- توفير الوقت والإجراءات المتعلقة بإعداد تقارير سنوية حتى لا تنشغل الجهات الحكومية في إعداد المعلومات المطلوبة. إن هذا التوفير لا يمكن تحقيقه من خلال الدمج، إلا إذا تخلى أحد الديوانين عن طلب المعلومات اللازمة لأداء رسالته. فالدمج لا يعني عدم البحث عن المعلومة لكشف الحقيقة. من هنا فإن موضوع توفير الوقت لا علاقة له بموضوع الدمج أو عدمه.
4- إن صغر أو كبر الجهاز الإداري لا علاقة له بضرورة وجود رقابة إدارية مستقلة لا تأثير عليها من جهة أخرى. فهناك دول كبيرة كما توجد دول صغيرة تحتاج جميعها إلى الرقابة على عملياتها الإدارية لغرض تطويرها وتحسين أدائها. فالتطوير الإداري لا علاقة له بالحجم. وإذا كانت هناك علاقة فإن الجهاز الإداري الصغير يحتاج إلى جهاز رقابي في حجمه، وليس بالضرورة بحجم الجهاز الإداري الكبير. أما القول بعدم الحاجة إليه أو تذويبه في جهاز آخر فإن ذلك يعني رفض الرقابة والشفافية والتطوير والإصلاح الإداري.
4- تحقيق الحكومة الإلكترونية يسهل إجراءات الرقابة المالية والإدارية، وهذا السبب يصب في صالح الاستقلال التام للرقابة الإدارية، فالتسهيل الإلكتروني يساعد على تبديد المخاوف المتعلقة بعدم توفير الوقت والإجراءات. وفي الواقع فإن تحقيق الحكومة الإلكترونية هو من صميم النظم الإدارية السليمة التي تسعى دواوين الرقابة الإدارية إلى تحقيقها، وهي من صميم وظائفها والمهمات الموكلة بها.
ختاماً، إننا الآن مازلنا نعيش تجربة قاسية ومحنة إنسانية واقتصادية سببتها حادثة غرق السفينة. وإذا ما بحثنا عن الأسباب فإن غياب التفتيش، والرقابة، وضعف الكفاءة الإدارية ما هو إلا سبب رئيسي لهذه المحنة. إن توافر التفتيش والرقابة الإدارية كفيل بكشف العيوب والتسيب والتي أبسطها عدم وجود نظام إداري أو معايير تضعها شئون السياحة لتفعيل قانون السياحة. وليس أقلها التأكد من وجود سجل بمؤهلات قبطان السفينة لدى شئون السياحة وسجل تحتفظ به الشركة السياحية المنظمة بأسماء الركاب وعناوينهم ووسائل الاتصال بهم، وشرح باستخدام نظم السلامة للركاب قبل الإبحار، وشروط توافر قوارب الإنقاذ علاوة على الأمور الأخرى الأهم والتي تطرق إليها الخبراء.
إن اتساع نطاق عمل الرقابة الإدارية وشموليته للعمليات الإدارية لا يتحمل دمجه مع جهاز الرقابة المالية الذي تنحصر مسئوليته في الرقابة المالية والتدقيق المحاسبي، وإن أي دمج لن يكون إلا على حساب كفاءة الرقابة الإدارية التي لن تتمكن من أن تلعب دوراً فعالاً في تطوير أداء الإدارة العامة في المملكة، والتي من الواضح أننا في أمسّ الحاجة إليها. إن أي اندماج لمسئوليات غير متجانسة سيكون بلا شك على حساب كفاءة الأداء لأحد الجهازين. وفي هذه الحال فإن وجود الجهاز من عدمه لن يثري تجربة الإصلاح الإداري للإدارة العامة في مملكة البحرين. هذا عوضاً عن أن دمج الجهازين يقوض من مبدأ التوازن الرقابي الذي لا يستقيم إلا بعدم كشف أحدهما أوراقه للآخر، والذي يعتبر من أساسات الرقابة وأبسط متطلباتها
إقرأ أيضا لـ "عبدالحسن بوحسين"العدد 1309 - الخميس 06 أبريل 2006م الموافق 07 ربيع الاول 1427هـ