العدد 1308 - الأربعاء 05 أبريل 2006م الموافق 06 ربيع الاول 1427هـ

تعظيم أم تفعيل ؟

علياء علي alya.ali [at] alwasatnews.com

في السنوات الأخيرة وبالذات بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وباقي دول المعسكر الاشتراكي تم تسليط الاضواء على اهمية اقتصاد السوق من جديد على المستوى العالمي، ونتيجة لذلك حدث تراجع بطيء ولو انه تدريجي في التدخل الحكومي، وزاد الاعتماد على الدور التوزيعي للسوق. ان الهدف المعلن من هذا التراجع هو ان ينتقل دور الدولة من دور ينافس السوق إلى دور يعززها. وهكذا، فقد شهد عدد متزايد من البلدان عددا من التطورات مثل: الاتجاه نحو خصخصة المؤسسات العامة، وخفض القيود الكمية على التجارة او إزالتها، وخفض رسوم الاستيراد إلى مستويات متدنية جدا في بعض الحالات، ما يجعل المبادلات التجارية أكثر استجابة لتغير الاسعار النسبية، وتضيق الفروق بين أسعار الصرف الرسمية واسعار الصرف في السوق السوداء، وكذلك خفض أو إزالة القيود على تخصيص الائتمان والضوابط المفروضة على أسعار الفائدة، ما يعيد لسوق الائتمان وظيفته التوزيعية المهمة.

ووفقا للاهداف المعلنة أيضا، فان جميع هذه الاجراءات استهدفت زيادة دور قوى السوق وتضييق نطاق التدخل الحكومي، مع اجراء ما يلزم من تغييرات ضرورية. واصبح صانعو السياسات يؤكدون ان الحكومة لا يمكنها ان تحل محل السوق، بل يجب بدلا من ذلك ان تتخذ ما يلزم من اجراءات لجعل السوق تعمل على نحو افضل.

إن جميع هذه التغيرات التي تطالب المؤسسات الدولية بلدان الشرق الاوسط بتطبيقها من الصعب معارضتها من الناحية النظرية، الا اننا نعيد القول بان العمل على تنفيذها بظل التشوهات الكثيرة في اقتصادات هذه البلدان سيؤدي إلى آثار سلبية وليس ايجابية. ان الدرس الاول الذي تعلمناه من تجارب الدول الآسيوية ان تجاربها التنموية نجحت استنادا إلى سياسات مزجت بين تدخل الدولة واقتصادات السوق، بل ان الدولة لعبت دورا مركزيا في ادارة وتنفيذ برامج التنمية.

واذا ما اخذنا في الاعتبار عاملاً تاريخياً مهماً وهو واقع وتطور القطاع الخاص في الكثير من بلدان الشرق الأوسط، فإن الحديث المطلوب عن اطلاق قوى السوق في المجتمع يصبح أكثر صعوبة ومثالية. ان القطاع الخاص في الكثير من هذه البلدان أقسم دوره بالضعف سواء من جراء تبني توجهات التخطيط المركزي في بعض البلدان العربية أو من جراء سيطرة الدولة على الموارد الرئيسية كما هو الحال في الدول الخليجية.

نضيف على ذلك ان تجارب الكثير من دول المعسكر الاشتراكي السابق بعد اطلاق قوى السوق جاءت محبطة لشعوبها، وهي تقدم دليلا آخر على ان تبني نهج الاقتصادات الحرة بصورة عشوائية وحرفية دون الاخذ في الاعتبار وجود دور محوري للدولة ينفذ وينظم هذا النهج ويبرمجه وفقا للحالة الخاصة لكل بلد سيؤدي إلى نتائج وخيمة. بينما تقدم الصين نموذجا ناجحا للجهود المبذولة للتحول إلى اقتصادات السوق مع استمرار وجود دور محوري للدولة في ادارة الاقتصاد. لقد جعلت برامج الاصلاح الاقتصادي دور الدولة في النشاط الاقتصادي هدفا رئيسيا لهجومها. وقد رفعت هذه البرامج شعاراً هو تقليص هذا الدور إلى أدنى حد ممكن سواء من خلال تجنيب دخول الدولة في المشروعات الاقتصادية الجديدة وفي تسيير عملية الاقتصاد او من خلال برامج التخصيص. ونفاجأ بعد هذه السنوات الطويلة من تبني هذا الشعار ان الكثير من الكتاب الاقتصاديين يرجعون أسباب فشل برامج الاصلاح الاقتصادي والمالي في عدد من الدول النامية إلى الغياب الكامل لدور الدولة الاشرافي والرقابي والتوجيهي على هذه البرامج. ومن ثم فانهم يطالبون بدور متوزان للدولة يتماشى مع سياسات التحرير والتكييف الاقتصادي. ومن هنا فان المطالبة تتركز على تفعيل دور الدولة وليس تعظيمه

إقرأ أيضا لـ "علياء علي"

العدد 1308 - الأربعاء 05 أبريل 2006م الموافق 06 ربيع الاول 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً