العدد 1308 - الأربعاء 05 أبريل 2006م الموافق 06 ربيع الاول 1427هـ

المواطن الحائر بين المقاعد والدوائر

محمد حسن العرادي comments [at] alwasatnews.com

لم يعد ممكناً أن يعرف أحد على وجه التحديد ما الذي تريده الحكومة، وما الذي لا تريده بخصوص موضوع الدوائر الانتخابية، فهي تارة تقول إن تعديل الدوائر من المحرمات التي لا يجيزها الدستور ولا تسمح بها مراسيم القوانين المسئولة عن هذا الشأن المقدس، وهي تارة أخرى تقلب الدنيا رأساً على عقب، منادية بتعديل الدوائر الانتخابية البلدية، لتساوي بينها وبين الدوائر النيابية!

والحقيقة هي أن الحكومة تبدو محتارة في موضوع الدوائر، ففي الوقت الذي تحرم أية مطالبة بتعديل الدوائر النيابية التي تطالب بها المعارضة، نجدها متلهفة على تعديل الدوائر البلدية التي لم يطالب بها أحد! وفي حين يرى المواطن من الحجج القانونية الرافضة للتعديل الأول العجب العجاب، فإنه يجد الأمور انقلبت رأساً على عقب عندما أرادت الحكومة أن تبرر وتنظر للتعديل الثاني.

لقد سبق وأن طالب كثير من الكتاب وكثير من الساسة والجمعيات السياسية التي أقامت لذلك المؤتمرات والندوات والكثير من الفعاليات الجماهيرية المطالبة بإعادة النظر في الدوائر الانتخابية النيابية، لكن الحكومة الموقرة أعطت الجميع أذنا من طين وأخرى من عجين، ودفع ذلك بعدد من النواب إلى التقدم باقتراحين برغبة لتعديل الدوائر النيابية، إذ تقدم بالاقتراح الأول كل من جاسم عبدالعال، فريد غازي، عبدالهادي مرهون، علي السماهيجي، عبدالنبي سلمان، في حين تقدم بالاقتراح الثاني كل من الشيخ عبدالله العالي، محمد الشيخ، جاسم عبدالعال، عبدالنبي سلمان. وعلى رغم أن الاقتراحين المرفوعين من بعض أعضاء المجلس اختلفا في المسببات والدوافع والتبريرات التي استندوا إليها للمطالبة بهذا التعديل، إلا أن الرفض كان من نصيب الاقتراحين.

والغريب في الأمر هو تعدد الجهات الحكومية التي رفضت هذين الاقتراحين، فهناك رفض من دائرة الشئون القانونية، ورفض من وزارة الداخلية، ورفض من الجهاز المركزي للمعلومات، ثم زاد من الطين بلة رفض اللجنة التشريعية بمجلس النواب للاقتراحين اعتماداً على ردود الجهات الرسمية، بعد أن ضمت الاقتراحين إلى ملف واحد! وهكذا أصبح في حكم المستحيل أن يتم النظر في تعديل الدوائر الانتخابية لأي سبب كان، وبحسب الخلاصة التي ساقها الجهاز المركزي للمعلومات فإن «الاقتراح برغبة لطلب إعادة توزيع الدوائر الانتخابية التي تم توزيعها العام 2002 لا يجد له سندا من الواقع أو المصلحة العامة المتمثلة في العملية الانتخابية». ولا يقف الأمر عند هذا الحد بل إن الجهاز المركزي للمعلومات يذهب أبعد من ذلك حين يقدم تبريرات تفصيلية لكل منطقة من المناطق الانتخابية، فيصل إلى خلاصة مفادها «أن ثمة توازنا بين السكان في الدوائر المختلفة من المملكة وفق معيار المساواة النسبية التقريبية، ولكنها ليست مساواة حسابية مطلقة»!

ثم يقدم لنا الجهاز المركزي للمعلومات رأيه القاطع «نرى ضرورة ثبات هذا التوزيع لمدة تتفق والمعايير الدولية، وهي غالباً ما تتراوح بين عشر وخمس عشرة سنة على الأقل قبل إجراء المراجعة الدورية لهذا التوزيع». والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة: كيف استطاع هذا الجهاز أن يبرر توصيته بإعادة توزيع الدوائر الانتخابية البلدية، وجعلها متطابقة في العدد مع الدوائر الانتخابية النيابية؟

إننا أمام موقف محير، فالتغيير في الدوائر النيابية غير ممكن بأي حال من الأحوال، والتغيير في الدوائر البلدية أصبح ضرورة لحماية مكتسبات الأجيال! ويبدو أننا أمام أحد المواقف المبكية المضحكة في الوقت ذاته، لكننا مع ذلك نطرح سؤالاً لا يقل أهمية عن السؤال السابق: لماذا يتم تخفيض عدد أعضاء المجلس البلدي للمحافظة الجنوبية إلى 6 أعضاء فقط؟

لقد حرص الجهاز المركزي للمعلومات على الترويج إلى أهمية المحافظة الجنوبية، ففي معرض رده على النواب المطالبين بإعادة توزيع الدوائر، وصل إلى استنتاج بأنهم يشيرون من طرف خفي إلى المحافظة الجنوبية، وقدم لهم المبررات التي اعتمد عليها لمنح هذه المحافظة 6 مقاعد نيابية فقال: «تعتبر جزر حوار قضية حساسة ومهمة تمس سيادة المملكة، كما أن مساحتها تزيد على أية دائرة انتخابية أخرى، إضافة إلى طبيعتها وبعدها الجغرافي عن أية دائرة أخرى».

وفي معرض دفاعه عن منح مرشح لكل من الدائرة الرابعة والخامسة في المحافظة الجنوبية قال: «أما بخصوص الدائرتين الرابعة (الزلاق وبلاج الجزائر وأم جدر ورميثة والممطلة) والخامسة (جو وعسكر ورأس أبو جرجور ورأس حيان ورأس زويد والمناطق المحاذية لها) فهي مناطق ذات طبيعة اجتماعية وقبلية مختلفة كثيراً عن مناطق الرفاعين وغيرها، إضافة إلى وجود مساحات شاسعة يمكن استغلالها للنمو السكاني، فهي ليست كبعض مناطق العاصمة والشمالية التي وصلت فيها الكثافة السكانية إلى مداها، وبدأ السكان في النزوح عنها، إنما تعتبر هاتان الدائرتان من المناطق التي يمكنها استقطاب أعداد كبيرة من السكان بعد إنجاز المشروعات الإسكانية، كما انها تبعد مسافات كبيرة عن بقية الدوائر».

ترى هل اختفت هذه الأسباب كلها بقدرة قادر، وصار من المصلحة أن يتم حرمان المحافظة الجنوبية من 4 مقاعد بلدية بجرة قلم؟ لقد زادنا الجهاز المركزي للمعلومات حيرة إلى حيرتنا، فقد بذل جهداً كبيراً لإقناعنا بأهمية المحافظة الجنوبية، وبكل تأكيد فإن كل من يطلع على الردود التي ساقها في هذا الجانب سيصل إلى نتيجة مهمة وهي أن جزءاً كبيراً من مستقبل البحرين معقود على التطور والمشروعات والنمو السكاني المتوقع في المحافظة الجنوبية التي «تشكل 60 في المئة من إجمالي مساحة البحرين».

إن كل هذه التبريرات الجميلة والدفاع القانوني المستميت يجعلنا نطالب بعدم حرمان المحافظة الجنوبية من مقاعدها البلدية الأربعة، وإذا كان ولا بد من إعادة رسم الدوائر الانتخابية ومساواتها في الحالتين البلدية والنيابية، فإننا نطالب بالتفكير الجاد في فصل عدد الدوائر الانتخابية عن عدد المقاعد التمثيلية لكل دائرة انتخابية، على أن يعاد الاعتبار للمجالس البلدية التي هي بالأساس مجالس خدمات مرتبطة بالتطوير العمراني والخدمات المطلوب توافرها أكثر من ارتباطها بالجوانب السياسية والتشريعية.

كيف يمكن الإجابة على أسئلة المواطن الحائر بين المقاعد والدوائر، هذا ما قد نتعرض له في مقال آخر إن شاء الله

إقرأ أيضا لـ "محمد حسن العرادي"

العدد 1308 - الأربعاء 05 أبريل 2006م الموافق 06 ربيع الاول 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً