بعد انتهاء شهر العسل، واختتام حملة توزيع الورود المفتعلة، جاء دور الافتتاحيات.
لسنا ضد مبدأ تكريم العاملين المخلصين في أي موقع كانوا، لكن افتعال حملات توزيع الورود لا تخدم أهدافا وطنية، انما تصب في النتيجة باتجاه استعداء وزارة بكاملها ضد بعض فئات المجتمع، وهذا ما عارضناه وانتقدناه وسنظل ننتقده على الدوام. فهذا البلد يحتاج إلى الكلمة الطيبة وليس إلى حملات التحريض المعلن والمبطن.
واليوم، في أعقاب كارثة البانوش، نحتاج إلى الحقائق، وليس إلى «حملة افتتاحيات»، مثل سيمفونية موحدة تحركها مكالمة هاتفية.
الكارثة كبيرة بكل المقاييس، 58 قتيلاً، وعشرات المصابين، في جوٍ لم يكن عاصفاً، ولو كانت الأنواء الجوية مضطربة لكان بالإمكان إلقاء التهمة على الطبيعة الغادرة. ولكن ما لمسناه أن الكثيرين يريدون الخروج من دائرة الشبهة، بإلقاء الكرة في ملاعب الآخرين، من صاحب البانوش إلى السجل التجاري ووزارة الإعلام وخفر السواحل، هرباً من شبهة التقصير، كل حسب اختصاصه وعلاقته بالموضوع.
المسافة بين موقع الكارثة وبين خفر السواحل مجرد ميلين، ومع ذلك احتاجت إلى 27 دقيقة للوصول والقيام بمهماتها، فماذا لو كانت المسافة 20 ميلا، متى كانت ستصل قوات الإنقاذ؟
الكارثة كبيرة ومحزنة، وستكون لها تداعياتها على الاقتصاد الوطني والسياحة كما أشار بعض الخبراء الاقتصاديين، ومع ذلك نخشى أن تتم المماطلة لتسجّل في النهاية ضد مجهول. في البداية كانت المحاولات تدور حول تجريم «القبطان»، لأنه لم يكن قبطاناً وإنما مجرد بحّار. ومادام أجنبياً فمن السهل تقديمه ككبش فداء. وكان لابد من مرور خمسة أيام قبل التحفظ على مالك البانوش والأمر بالقبض عليه. وخلال هذه الفترة طرحت الكثير من الأسئلة: هل البانوش مرخّص أم لا؟ مؤمّن عليه أم لا؟ وهي أسئلةٌ لا ينتظر الشارع البحريني وحده إجابات واضحة وشفافة عليها، بل هناك دولٌ أخرى، أوروبية وآسيوية، قضى وأصيب بعض مواطنيها في هذا الحادث، وهي دولٌ لا تقبل بما جاء في الافتتاحيات الأخيرة من تبريرات، من قبيل: «ماذا قال لنا أصدقاؤنا»، و«حتى لا نبخس البحرين حقها»، فضلاً عن انه من السابق لأوانه الادعاء «ان مستوى معالجة الأزمة عزّزت ثقة العالم بالبحرين»، وإن كنا نأمل ذلك من قلوبنا. فنحن أبناء بلد، قد نقبل ذلك اليوم أو غداً، لكن الدول التي ترسل وزراءها للاطمئنان على بعض المفقوين، أو يحضر سفراؤها كل مؤتمر صحافي لتسقّط أخبار مواطنيها المنكوبين، لن تقبل بمثل هذه الأمور، وإنما ستنتظر نتائج واضحة لتحقيقٍ حِرَفِيٍّ دقيق، وإجراءات مقنعة تتخذ على الأرض.
في أجواء الفاجعة والحزن، ما كان لنا أن ننطق بكلمةِ انتقادٍ بسيطةٍ، لو تركوا الأمور تأخذ مجراها الطبيعي، إنما أن تبدأ حملة توزيع «افتتاحيات» لتسويق أمورٍ معينةٍ تستبق نتائج التحقيق، فهذا ما لا يمكن هضمه واستيعابه في عهد الإصلاح. فلو حدثت مثل هذه الكارثة في بلدٍ آخر لاستقال وزير الداخلية، أو مسئولو خفر السواحل أو قسم السياحة، الذين هم على اتصال مباشر بالموضوع. وفي البحرين لم ولن يطالب أحدٌ باستقالة أحد، فقط يريد الرأي العام أن يطلع على الحقائق - الحقائق كلها - لتطمئن القلوب، ولكي لا تتكرر المآسي كل خمسة أعوام
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1308 - الأربعاء 05 أبريل 2006م الموافق 06 ربيع الاول 1427هـ