تطرقت في المقال السابق إلي ما قام به أتاتورك من مساواة المرأة بالرجل في جميع الحقوق الشرعية والمدنية، وذلك قبل 85 عاماً.
وأواصل اليوم بأن أتاتورك طلب من السلطان العثماني العام 1921 بتحرير الجواري اللواتي كن بحوزته بالمئات للسهر على متعته وراحته في قصوره، وباعتماده على الآية الكريمة «فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم» (النساء: 3)، لما في تطبيقاته الخاطئة لهذه الآية الكريمة، بأن يستغل النساء كما يطيب له. وأكد أتاتورك على السلطان بأن يكتفي بالزواج مما حلله له الدين بأربع فقط، على شرط أن تقبل الأولى بالزواج عليها من أخرى، بذلك تحررت النساء بتحديد عدد الزوجات وبشرط الرضا للزواج بأخرى، وقلة من النساء ترتضي بضرة، والبث في مشكلاتهن الشرعية على وجه السرعة ومن دون أن تبقى مشكلتها عالقة في المحاكم لعدة سنوات كما يحدث عندنا.
ويأخذني الحديث عن لسان الرحالة ابن بطوطة، بأن المرأة في آسيا غير العربية كالهند وتركيا وإيران وإندونيسيا وجزر المالديف، كانت مقدسة وتعتبر أم البشرية ويكن لها الكثير من الاحترام والتقدير وتسند لها أمور الدولة والحكم قبل الإسلام. وكانت في الغالب تشارك الرجل سواء الأب أو الزوج، واستمر الحال حتى بعد ظهور الإسلام، إذ إن العادات الاجتماعية تستبدل بسهولة، وكان من مهماتها أيضاً إلقاء خطبة الجمعة والإمامة بالمسلمين وضرب النقود باسمها، وكانت لها مشاركة حقيقية في جميع المجالات ومع الرجل. وكان عدد النساء ممن تولين الحكم في آسيا غير العربية نحو 17 امرأة، ومنهن راضية في الهند وشجرة الدر وكملات شاه انتهاءً ببنظير بوتو وانديرا غاندي، وغيرهن مما لا يسع المجال لذكرهن. وأختصر القول عن إحداهن، وكيف فضلها والدها على إخوتها الذكور الثلاثة، وهي السلطانة راضية بنت السلطان التتش حاكم الهند أثناء الخلافة العباسية، إذ اختارها ولية لعهده لما تتميز عن إخوتها في الحكمة والسياسة والموهبة لإدارة شئون البلاد، ولم تكن لديه أية عقدة من كونها امرأة، لإيمانه برجاحة عقلها وقوة شخصيتها وأنها الأنسب بدل إخوانها الضعاف سياسياً، خوفاً من انحلال الدولة. ونظراً لتدينه الشديد كان شديد العدالة والحساسية لحقوق البشر، وكان بذلك يطبق التعاليم الأساسية للدين الإسلامي، ولم يكن مستعداً لتنصيب أبناء غير مهيئين لمجرد أنهم ذكور فقط. وحكمت راضية بالعدل الذي ورثته عن أبيها. ومن طرائف العدالة وتطبيقاتها، كان يُطلب من المظلوم أن يلبس ثياباً ملونة كي يميز عن الباقين (حينها كان الهنود يلبسون ثياباً بيضاء). ثم تخرج بين الناس وترى مشكلاتهم ومظالمهم وتنصفهم فيها، كما علقت جرساً أمام باب القصر بإمكان كل مظلوم من طرقه كي تذهب إليه وتنصفه.
كل ذلك بينما كان العرب قساة جداً على المرأة اجتماعياً وسياسياً، يعاملونها بالدونية والقهر في معظم الأحيان، ويعارضون وصولها إلى السلطة قبل وبعد الإسلام، بحيث استمر ذلك النهج في تنحيتها وإبعادها عن مواقع القرار، إلى أن سقطت الدولة العباسية، وبعدها اعتلت المرأة الحكم في اليمن. ولكن السؤال الذي يساورني هو: لماذا كل هذا الإجحاف عند الرجل العربي؟ إنه على رغم ذكاء المرأة العربية وتقدمها علمياً وسياسياً وأدبياً، فهي مازالت تخطو ببطء شديد، ومازال الرجل يمثل حائطاً عازلاً في حياتها، ومازالت القوانين جائرة في حقها. فهل العربي أكثر أنانية، أم أكثر خوفاً من الرجل الآسيوي من المرأة، أم هو شديد القسوة وبسبب وراثي؟
إقرأ أيضا لـ "سهيلة آل صفر"العدد 1308 - الأربعاء 05 أبريل 2006م الموافق 06 ربيع الاول 1427هـ