العدد 1307 - الثلثاء 04 أبريل 2006م الموافق 05 ربيع الاول 1427هـ

الاستئناف... وما أدراك ما الاستئناف؟

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

الجميع كتب وتحدث علانية وهمسا عن الحكم الصادر من المحكمة الكبرى بشأن إلزام وزارة التنمية الاجتماعية بإشهار الاتحاد النسائي «تحت التأسيس». البعض اعتبر الحكم الصادر انتصاراً للجمعيات النسائية والآخر وجده بداية للسير في قنوات التقاضي المعقدة والطويلة إذا ما التزمت الوزيرة بتنفيذ ما صرحت به للصحافة من إنها ستدرس قرار المحكمة والقضية وإمكان استئناف الحكم بعد الحصول على نص الحكم القضائي. في السياق الجميع لا يزال يواصل الحديث عن مفهوم الشراكة بين الرسمي والأهلي، وعن دور الاتحاد النسائي والتاريخ النضالي للجمعيات النسائية التي تحاول الوزارة تقزيمه وتهميشه. وفي أروقة الأوساط الرسمية يقال إن الكثير من الأصوات لا توافق على موقف «الوزيرة» ولا حتى على اختلال مفهوم علاقة الشراكة بين الاتحاد والوزارة، وعليه فكل شيء قيل، وبقى أمر مهم لم يتم الكشف عنه بعد: لماذا... وكيف؟

ما لم يتم الكشف عنه والحديث الشفاف حوله، هو إن مبررات وتعليلات الخطاب الرسمي تشي بأساليب الاستغفال والاستهبال، كيف؟ لنقارب عناصر المسألة من أهم أقوالها، والمسألة في حقيقة أمرها سياسية محض ومئة بالمئة. فحين تصرح «الوزيرة»، فكلامها لا يأتي من فراغ، إنما من قرارات وتعليمات قاعات المجالس الرسمية. وأمر حظر إشهار الاتحاد النسائي بالفعل ليس بيدها فقط ولا حتى بيد القانون الذي ما برحت تشهر سيفه ليل نهار، (ونحن نصدقها)، إنما ندرك بأنه أمرها وقرارها يكمن في الميزان الذي يحقق مصالح الطرف الرسمي على حساب ومصالح الطرف الأهلي متمثلاً في مؤسساته ومنها الاتحاد النسائي.

المفارقة واضحة وبينة، وأبرز مظاهرها يعكسها تأكيد الوزيرة المستمر «أن النظام الأساسي للاتحاد النسائي يحمل أهدافا سياسية، وإن وزارتها معنية حسب قانون الجمعيات الأهلية أن لا ترخص لأية مؤسسة تهدف للعمل السياسي، إنما هي وزارة العدل المعنية بإشهار الكيانات السياسية». من طرفها وزارة العدل، هل من الغريب أن يلتقي الخطابان الرسميان للوزارتين لتعزيز الموقف الرسمي ذاته؟ ماذا تذكر وزارة العدل؟ تذكر: «إنه ليس من اختصاصها إشهار الاتحاد النسائي»! لماذا؟ لأن قانون الجمعيات السياسية لا ينص صراحة على الاتحادات النوعية. وتضيف وراءها مباشرة وزارة التنمية الاجتماعية بأنها ستستأنف، وتضغط (لاحظوا، هي لا تيأس)، ستضغط باتجاه تعديل النظام الأساسي وإلغاء الهدف القائل بإشراك المرأة بصورة فاعلة في الحياة السياسية. في مقابل هذه الزفة، ترد اللجنة التحضيرية للاتحاد قائلة: «إن النظام الأساسي لا يحمل أية أهداف سياسية، لقد طلبنا من الوزارة سابقاً تحديد مفهوم العمل السياسي»!

هذا الحوار ليس حوار طرشان فقط، إنما (صمخ نواخذه). ألا تدرك الوزيرة أن ما تمارسه بالأساس هو عمل سياسي؟ كيف تكون السياسة حلالا عليها وعلى وزارتها وحراماً على الآخرين؟ هل تعلم أن أغلب عضوات الجمعيات النسائية من حيث يقصدن أو لا يقصدن، مارسن بطريقة أو أخرى نشاطاً سياسيا، ومنذ اللحظة التي بدأن فيها نشاطهن وعملهن التطوعي الاجتماعي والخيري وحتى بدء تحوله إلى الطابع الحقوقي والإنساني؟ أليس في الأمر استهبالا ما بعده استهبال، حينما يتم التغاضي عن حقيقة ما يجب أن تكون عليه العلاقة بين وزارة التنمية والاتحاد النسائي بأبعادها ومقوماتها المتعلقة بقضايا التمويل والدعم الذي من المفترض أن تقدمه ضمن آليات كشف ومحاسبة وشفافية، وإن دورها يجب أن لا يتعدى الدور الإشرافي والرقابي، وإن عليها المساهمة مع بقية وزارات الدولة بتهيئة هامش من الديمقراطية وحرية الحركة وإفساح المجال لكي يتمتع الاتحاد بالاستقلالية والابتعاد عن تعليمات الوزارة التلقينية وتدخلاتها الشكلية والاستفزازية، ولاسيما أن افتراضنا بأن على الاتحاد أن يعتمد على قاعدة من النساء تسنده في مواجهة النفوذ والتسلط الذي يبعثر الجهود ويشتتها ويهدر الوقت في معارك وهمية؟

ألم تع الوزيرة بعد، أن تبني الدولة لمفهوم الشراكة والتمكين جاء في سياق تنفيذها لبنود الاتفاقات الدولية التي وقعتها وهي تعني ما تعنيه من التزامات حطت على كواهل كل من الدولة وأجهزتها وإداراتها وحتى المؤسسات الأهلية تجاه تحقيق الأهداف التنموية للمجتمعات والمتعلقة بمحاربة الفقر وإشاعة التعليم وتمكين المرأة والصحة وما شابه، وإن كل ذلك لن يتحقق في حال فقدان البيئة السياسية والقانونية؟ هل نعيد التأكيد على المسامع أن نمط النشاط السياسي والحقوقي والممارسة الديمقراطية برمتها تشتمل على المطالبة بالحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهي في حقيقتها سلسلة حلقات مترابطة ضمن إطار الإعلان عن مواثيق حقوق الإنسان الكونية ومنهاج بكين واتفاق السيداو والطفل والعهدين الدوليين. وعليه هل تدرك وزارة التنمية ودائرتها «القانونية» أنهم يعملون ضد شعارات الدولة المطالبة بتمكين المرأة السياسي وتهيئة البيئة السياسية والتشريعية المتمثلة في تيسير إجراءات التسجيل والإشهار للاتحاد النسائي وتحقيق الضمانات لاستقلاله وتعزيز مفهوم الشراكة معه؟ هل من الجائز القول بأن موقف وزارة التنمية يعبر عن ضعف في استيعاب فلسفة التمكين والحاجة الاستراتيجية لها كما جاء في ثقافة حقوق الإنسان؟ وإن حديث الوزيرة بأنها ليست ضد الإشهار وإنما ضد النظام الأساسي الذي يحمل أهدافا سياسية، هو فقط كلام في الهواء، لا نكهة له ولا منطق عصري، وهو في حقيقة الأمر يعني: عرقلة، وتدخل سافر في شئون الاتحاد الداخلية، واللجوء إلى الاستئناف سيزيد الطين بلة، لأنه سيدخل لحظة إشهار الاتحاد النسائي فعلياً في دهاليز معقدة وشائكة تنتقل ما بين الحكم الإبتدائي ومنه إلى الإستئنافي ومن ثم إلى محكمة التمييز، والله العالم بعدها من يقرر إتمام إشهار الاتحاد أم لا ومتى؟

لهذا وذاك، ليس ثمة مانع يحول دون القول بأن وزارة التنمية الاجتماعية تنشط وتعمل ضد بنود «اتفاق السيداو»، وضد جوهر «الدستور»، وضد «مفهوم الشراكة والتمكين»، لا بل هي أصلاً لا تتواءم مع حركة التاريخ والتطور. فهل الوزارة على استعداد لأن نعيد تكرار هذه الحقيقة على مسامعها ليل نهار، في الصحافة والإعلام والمنتديات، في الداخل والخارج إذا ما أصرت على موقفها الغريب؟

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 1307 - الثلثاء 04 أبريل 2006م الموافق 05 ربيع الاول 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً