العدد 1307 - الثلثاء 04 أبريل 2006م الموافق 05 ربيع الاول 1427هـ

دمشق التي لا تتغير!

عادل مرزوق Adel.Marzooq [at] alwasatnews.com

-

مررت بدمشق سبع مرات، حدثني والدي عن زيارتي الأولى، فقد كنت خارج منظومة الفهم. أما الأخيرة، فكنت صحافيا باحثا عن المعلومة واصطياد الأخبار، وبين الأولى والأخيرة زرتها خمس مرات بأحوال عدة. شخصياً، تغيرت سبع مرات خلال فترة بسيطة، والأهم من أن أكون قد تغيرت أو لم أتغير، هو أن دمشق لم تتغير!

نزاق «موظفي الحدود»، ظاهرة الشحاذة، «وهم العظمة»، العداء لـ «إسرائيل»، الشوارع التي لا تتغير، البنايات التي جمالها هو فقط في خرابها، الكهرباء التي لا تستقر، وأحاديث الشارع عن «سورية الكبرى»، والتي تبدأ من العراق حتى الساحل الفلسطيني، والأهم هي تلك «الأساطير» التي تتنبأ بأن سورية ستقلب معادلات التاريخ وستقوم من أرضها إمبراطورية الدهر التي لا تكسر!

الداخل السوري متماسك، وهو لم يكن متماسكا من قبل كما هو الآن، استطاعت الدبلوماسية الأميركية وفي غضون فترة وجيزة أن تنجز توافقا دوليا ضد سورية، الغريب أن بغداد أيام الطاغية صدام حسين كانت تمتلك حلفاء سياسيين أكثر مما تملك دمشق اليوم، وهذه أكبر النجاحات التي حققتها الدبلوماسية الأميركية بعد نجاحها في قيادة الحرب على أفغانستان تحت إجماع دولي.

ما أود التركيز عليه هو رواج الأسطورة في المجتمع السوري، ولابد أن نلاحظ أن الإعلام السوري استطاع أن يؤسس توافقاً سورياً وطنياً، وتمكنت تلك الترسانة من الأساطير والتلفيقات التاريخية أن تقنع السوريين بأن نهاية الولايات المتحدة هي الدخول إلى حدود دمشق أو حتى استهدافها. هذا التوافق السوري الداخلي تصنعه «الثقافة» لا السياسة، فلغة الأرقام والتوازنات العسكرية والإقليمية تعطي نتائج لا تتلاءم مع مساحة الأسطورة السورية ومخيلاتها المفتوحة.

من جهة أخرى، قد يؤثر هذا التوافق الوطني في الحسابات السياسية للأميركيين، إلا أنه لا يستطيع أن ينهي «الحلم الأميركي» بإنهاء هذا البعبع السياسي الذي يضايقها في منطقة الشرق الأوسط. أضف إلى ذلك أن خيارات الشعوب لم تعد ملزمة للشرعية الدولية في زمن حديث/ بدائي يحكم فيه الأقوى لا المتوافق عليه.

في الحقيقة، الذي تغير في سورية، هو أنها استطاعت أن تنجز في داخلها توافقاً وطنياً ثقافياً، لكنها مازالت محتاجة إلى توافق آخر، اسمه الديمقراطية والتعددية وإنهاء أسطورة الحزب الواحد والتنازل عن ما يسمى بـ «أمة عربية واحدة، ذات رسالة خالدة»... وإلا فإن القادم إلى دمشق هو مر، وأكثر مما قد تصور كل أساطيرها التي يتداولها الشارع

إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"

العدد 1307 - الثلثاء 04 أبريل 2006م الموافق 05 ربيع الاول 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً