ربما تكون انتباهة متأخرة، لكنها تظل في نهاية المطاف انتباهة لا تخلو من المراجعة، وتسعى الى أن تتدارك ما فاتها طوال عقود من «النوم في العسل»... فمنذ اللهاث التاريخي - والذي مازال مستمرا - لنيل حظوة وشرف الانتساب إلى الكبار في النادي الأدبي العالمي، بالحصول على جائزة يتيمة لـ «نوبل» في الآداب ، بدأ العرب ربما قبل أقل من عقد في التوجه على استحياء وبتعثر بالغ نحو محاولات الولوج الى نادي الكبار في مجال السينما، بحلم الحصول على جائزة أوسكار يتيمة، على رغم أن الأمر يبدو عسيراً وغير سهل.
منذ جائزة «الأسد الذهبي» التي نالها المخرج المصري يوسف شاهين في مهرجان «كان السينمائي»، وحبات المسبحة بدأت توحي بإمكان أن يحقق العرب جوائز هي بمثابة البوابة الرحبة التي ربما تقودهم الى الحلم المؤجل في الحصول على «الأوسكار».
ما يجب الالتفات اليه هو أن المخرج العالمي الراحل مصطفى العقاد على رغم انهماكه وانطلاقه من خلال عاصمة السينما العالمية هوليوود، فإنه حتى فترة رحيله لم يقترب من الجائزة المذكورة، وعلى رغم امكاناته العالية وتأسيسه الأكاديمي، فإنه ظل حتى أواخر أيام حياته قبل أن يقضي عليه عمل إرهابي في العاصمة (عمان) العام الماضي، ظل يشكو من تجاهل الرأس مال العربي واحجامه عن الدخول في مثل تلك الصناعة التي باتت اليوم تشكل رقماً كبيراً في المعادلة الاقتصادية العالمية.
فيلم «الجنة الآن» كان مقدّرا له أن ينال الجائزة بعد دخوله في منافسة كبيرة مع عدد من الأفلام الأجنبية التي تُمنح على هامش جوائز الأوسكار، ولم ينس كثير من العرب المهووسين بنظرية المؤامرة الإشارة الى اختلال في المعايير والمحسوبيات وتدخل اللوبي الصهيوني في حجب الجائزة عن الفيلم. وعلى رغم أن الأمر لا يخلو من مؤامرة فإن معايير دقيقة عمدت اليها لجنة التحكيم في حجب الجائزة عن الفيلم علاوة على التصويت الذي يحسم الكثير من الأمور في عملية الترشح.
نوبل السينما، أو الأوسكار، سيظل الهم الأول والأخير لأمة واقتصادات مازالت تنظر الى الفن السابع باعتباره حصة للاسترخاء فيما تذهب تلك الاقتصادات باتجاه «تلف الأعصاب» و «جنون مؤشرات البورصة» و «انفلات عقال المضاربات». علاوة على أن بُنى تحتية كبرى في هذا الجزء من العالم لم يتم التأسيس لها كما يجب، كما لم يتم استكمال الأدنى من متطلبات مجتمعات تمعن في حال من الاستهلاك الذي يبدو أنْ لا مؤشر يدل على وضع حد لجنونه.
ما تجب الاشارة اليه هو أن عددا من الأعمال الروائية العربية تظل في المقدمة من حيث موضوعاتها وعوالمها السحرية ومعالجاتها العميقة، يمكن لها أن تلعب دوراً في الدخول في منافسة ظلت قصراً على العالم الأوروبي والأميركي الذي انطلقت جل أعماله السينمائية من أعمال روائية ليست أكثر تميزاً من أعمال عربية ظلت حبيسة الكتب.
هل نحتاج الى أن نشير الى «ليون الإفريقي» لأمين معلوف، و«ليلة القدر» للطاهر بنجلّون، و«الخبز الحافي» لمحمد شكري»، وغيرها من الأعمال، تلك التي ربما لا تجد نظيرا لعوالمها ومعالجاتها، مع تأكيد خصوصية شرقية ظلت محط اهتمام ومتابعة الآخر، باعتباره منجم ادهاش وغرابة.
المسألة لا تكمن في الكفاءات والامكانات بقدر ما تكمن في عدد من الحلقات المفقودة التي من دونها لا يمكن لأي مشروع أن يكسر نطاق ودائرة تحركه الى دائرة أكبر وأشمل، يضاف الى ذلك أن مثل ذلك الحلم الذي تحول الى هوس لايزال يتناسى أن جل الأعمال التي اكتسبت حضورها العالمي انما كانت منطلقة من الداخل في كوادرها ونصوصها وموضوعاتها
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 1307 - الثلثاء 04 أبريل 2006م الموافق 05 ربيع الاول 1427هـ