في خطابه أمام مجلس الشورى الذي افتتح به أعمال السنة الثانية من الدورة الرابعة لمجلس الشورى أكد خادم الحرمين في مطلع كلمته على أن هدية هذه البلاد هي الإسلام الذي قامت عليه والذي ستبقى متمسكة به على رغم كل الظروف والمعوقات... ولعل جلالته أراد الإشارة إلى الضغوط التي تمارسها بعض الأطراف الخارجية ضد الإسلام عامة وضد بلادنا خصوصاً باعتبارها ملتزمة بالإسلام وكيف أن هذه الأطراف تشوه - عامدة - صورة بلادنا وتصفها بما ليس فيها، كل ذلك من أجل تمسكها بهويتها الإسلامية وإعلان هذه الهوية من خلال التطبيق للإسلام.
تحدث خادم الحرمين عن قيمة العدل بين الناس وأهمية إحيائه واقعاً يراه الجميع ويطمئن كل فرد في المجتمع إلى أنه سينال نصيبه من هذا العدل.
إننا ندرك أن العدل - كما يقال - أساس الملك، وأن أي دولة لا تقيم نظامها بكل أنواعه على العدل فإنها آيلة إلى الزوال، واسألوا التاريخ فسيحدثكم كثيراً عن هذه المسألة.
الإسلام قام على العدل بين جميع الناس، فالناس - كما قال رسولنا الكريم - سواسية كأسنان المشط، ولا يفرق الإسلام بين أبنائه إلا بالعمل الصالح الذي يخدمون به أمتهم.
ومن هنا فإن التأكيد على أهمية التزام الحاكم بالعدل بين الناس أمر في غاية الأهمية، كما أنه يوجد الاطمئنان النفسي لدى كل مواطن بأنه قادر على أن يكون كسواه إذا قام بالعمل نفسه.
إن المتأمل في واقع العالم اليوم يدرك حجم الظلم الذي يعاني منه الناس، كما يدرك أيضاً أن معظم هؤلاء المظلومين لا يستطيعون حتى الشكوى من الظلم الذي يقع عليهم، فضلاً عن تمكنهم من إزالته، والمجتمع الذي يصل أفراده إلى هذه الحال يكثر فيه الفساد، ويقل فيه الإنتاج فتتهاوى قواه حتى يصبح ضعيفاً لا يقدر على شيء ويكون مؤهلاً للزوال في أية لحظة.
ومن متطلبات العدل - كما جاء في خطاب الملك - توفير الحياة الكريمة للمواطنين من مأكل ومسكن وعمل وعلاج وتعليم، وتوفير كل الخدمات الأخرى التي يحتاجها المواطن.
جميل من جلالته أن يتحدث عن هذه المتطلبات بشيء من التفصيل، وجميل من الجهات ذات العلاقة أن تحول كلمات جلالته إلى عمل يراه الناس في واقعهم وبأسرع وقت.
الناس بحاجة إلى علاج وتعليم، كما هم بحاجة أيضاً إلى مساكن مناسبة، والخدمات الأخرى ليس ترفاً بل من الأساسيات التي يحسن المبادرة إلى تنفيذها.
في بلادنا نحتاج إلى إصلاح التعليم وتيسيره لكل مواطن، وعلى الجامعات كلها أن لا تبقى جامدة في أماكنها؛ عليها أن تمكن كل طالب أو طالبة من الالتحاق بها... والحاجة إلى إصلاح الخدمات الصحية مطلب لا يمكن التهاون فيه، فليس من العدل أن لا يجد أي مواطن المكان المناسب الذي يتلقى فيه العلاج... أما المسكن فكلنا يعرف أنه الهم الذي يؤرق معظم الشباب بل وبعض الكبار أحياناً.
من أجل ذلك كله كان لابد من التأكيد على أهمية توفير الأساسيات لكل أبناء المجتمع فالتعليم والصحة ليسا ترفاً ومثلهما المسكن المناسب فهذه من الضروريات التي لا يستغني عنها أي فرد في المجتمع.
ولكي تتحقق هذه الأشياء التي أكد عليها خادم الحرمين كان لابد من تحقيق شيء آخر هو مكافحة الفساد، وقد تحدث عنه الملك أيضاً. الفساد بكل أنواعه - من الآفات التي توجد في كل مجتمعات الدنيا، لكنها تتفاوت بين مجتمع وآخر بحسب الضوابط والقوانين التي تنظم طريقة التعامل مع كل ألوان الفساد. ومجتمعنا لا يخلو من فساد هنا وهناك، والفساد - أياً كان - يعيق حركة نمو المجتمع، ويدفع الناس إلى التشاؤم وعدم الاطمئنان إلى أي شيء، والفساد كالسوس ينخر في جسد الأمة حتى يوصله إلى القبر.
والقضاء على الفساد - أو التقليل منه - مسئولية الحاكم كما هو مسئولية كل فرد في المجتمع، وعلى كل قادر أن يقوم بدوره في محاربته... الاستعانة بالمخلصين من الأساسيات في خوض هذه المعركة الشرسة، وهي بحق معركة يجب أن يخلص لها كل أبناء بلادنا لنساهم في إيجاد مجتمع صالح يعيش كل أبنائه آمنين مطمئنين.
تحدث جلالة الملك عن محاربة التطرف، وأشار إلى أن مجتمعنا يرفض الفكر المنحرف لأنه مجتمع مسلم متوازن له صفة الوسطية التي ترفض التطرف بكل أشكاله.
كما تحدث عن أهمية الحوار، ووجوب تعميق فكرته بين الناس جميعاً، ونحن ندرك أن الحوار الهادف يقرب المسافات بين أفراد المجتمع بكل فئاتهم، ويجعلهم بالتالي أمة ذات قوة ويضعف أسباب الفرقة بينهم.
مجتمعنا في أمس الحاجة إلى التلاحم، بل إن كل المجتمعات العربية بحاجة إلى النظر في أوضاعها وإعادة صوغ واقعها لتكون أمة قوية بتماسك أفرادها. العدو يتربص بالجميع ولن نهزمه إلا بوحدتنا.
قضية فلسطين كانت جزءاً مهما من خطاب الملك في تلك المناسبة، ففلسطين في قلب كل مسلم، والمحافظة عليها عموماً وعلى «أقصاها» خصوصاً جزء من عقيدة كل مسلم.
إن ما نراه من أعمال الصهاينة في أبناء فلسطين يجعلنا ندرك أهمية ما قاله الملك عنها وتأكيده على أهمية مساعدة أبنائها والدفاع عنها بكل الوسائل.
هذه بعض النقاط التي أشار إليها الملك في خطابه، وأعتقد أن على كل مسئول في بلادنا أن يعمل بجد على إبراز هذه النقاط بشكل عملي يراه المواطن في واقع حياته.
الإمكانات متوافرة، وعلينا أن نعمل بجد لجعل بلادنا قوية متلاحمة كل فرد فيها يقوم بدوره وهو أسعد الناس إذ يقوم بهذا الدور
إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"العدد 1306 - الإثنين 03 أبريل 2006م الموافق 04 ربيع الاول 1427هـ