العدد 1306 - الإثنين 03 أبريل 2006م الموافق 04 ربيع الاول 1427هـ

صديقي رئيس جمهورية

محمد غانم الرميحي comments [at] alwasatnews.com

شبلي ملاط شاب لبناني وأستاذ جامعة وناشط في مجال حقوق الإنسان، وهو على المستوى الشخصي مثقف في العلاقات الدولية لا يشق له غبار، وربما هو من ألمع المحامين في المسرح الدولي في تخصصه في القانون الدولي. من أشهر قضاياه منذ سنوات خلت رفعه قضية ضد، رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون آنذاك في بروكسل واتهامه بالتسبب في مذبحة صبرا وشاتيلا، وهي القضية التي أدخلت ملاط، حفيد شاعر الأرز الكبير المسمى باسمه الذي حرق الفرنسيون مطبعته العام 1908 بسبب مواقفه الوطنية، إلى الحلبة الدولية، أما متابعته للقضايا الشائكة فقد تمثلت في احتضانه قضية الإمام موسى الصدر الذي اختفى في ظروف غامضة.

لأنه شاب لم يتجاوز الـ 50 عاماً، ولأنه غير منتم إلى أية مجموعة سياسية بعينها في لبنان، يشكل هذان العاملان مكمن قوة المرشح برئاسة الجمهورية اللبنانية، وأيضاً يشكلان منطقة الضعف في الوقت نفسه.

أحد الشخصيات الرئيسة في الداخل اللبناني التي تلعب دوراً بارزاً في اختيار رئيس الجمهورية اللبناني وهو البطرك مار نصر الله صفير، من شروط هذا الأخير أن يكون المرشح للرئاسة الجديد، شاباً ومتعلماً ويسلك في السياسة طريق الوسطية، ولا يكون عسكريا، وفهمت هذه المواصفات في أوساط كثيرة أنها تشير إلى صديقنا شبلي ملاط، الذي نافس في استطلاع للرأي العام أجري أخيرا، العماد ميشيل عون القادم من المنفى الطويل وصاحب الشخصية الكاريزمية في الحياة السياسية اللبنانية والمرشح العلني للتيار الحر لسدة الرئاسة.

هذه المنافسة أعطت شبلي الكثير من الأمل في وسط سياسي متغير ومن الصعب رصد أمواجه العالية وتياراته الخفية.

لم يعد سرا في لبنان أو خارجها أن رئيس الجمهورية الحالي الرئيس إميل لحود قد أصبح عبئا على لبنان وعلى أصدقائه أيضا، خصوصا بعدما حصل في قمة الخرطوم التي تناطحت فيها رغبتان: رغبة الأكثرية النيابية ممثلة برئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة وتمثيل ضعيف وغير مسنود من الطائفة التي يمثلها الرئيس لحود نفسه. أما ما تم من فضيحة تلاسنية على الهواء بعد ذلك في مجلس الوزراء فقد جلبت للبنان تقديرا سلبيا ولساسته عباءة الخجل والاضطراب، فقد رفع وزير الداخلية دعوى على رئيس الجمهورية متهما إياه بتهديده بالقتل!

هذه المنطقة الخفيضة من الممارسة السياسية تعجل بأن يحصل لبنان على طاقم سياسي في القمة مختلف عما هو عليه، إذ إن هذه القيادة استنفدت أغراضها أمام الشارع قبل أن تكون استنفدتها أمام السياسيين.

الرائع في حملة شبلي ملاط هو أنه أخذ الأمر بجدية تحترم، حتى أصدقاؤه القريبون لم يكن ليصدقوا عزمه على الترشح لما يعتبر منصباً تحوطه الاتفاقات الدولية والداخلية، إلا أن إصراره فاق كل توقع.

ولأن كل ماروني تقريبا هو مرشح جدي للرئاسة اللبنانية! فقد أخذ ملاط على نفسه أن يكون المرشح الأكثر جدية والأكثر مثابرة، وهكذا بدا بأن شكل حملة للدعوة للرئاسة «على الطريقة الأميركية» كما عين لها رئيس حملة، وبدأ بعدد من النشاطات لجمع المال لهذه الحملة، حتى غدا أصدقاؤه الذين ترددوا في أخذه بالجدية الكاملة في البداية يهمسون أن شبلي ملاط يكون المرشح الأكثر جدية في سباق لم يعلن عنه بعد، على رغم أن الجميع يعرف أن الباب مفتوح للرئاسة الأولى.

شبلي ينتمي إلى شباب ثورة الأرز، أو الانتفاضة التي لحقت بشكل عارم مقتل الشهيد رفيق الحريري، وكان من جملة المنظمين والداعين لها، يتمتع بصلات دولية أوروبية وأميركية وفرنسية واسعة، كونه أستاذا في جامعة القديس يوسف وسط بيروت، إذ يشرف على مركز الدراسات الأوروبية، ونظم عددا من اللقاءات السياسية مع الأوروبيين في الصيف الماضي في ذلك المركز، حضر كاتب هذه السطور أحدها، وطرح وقتها برنامج العلاقة الأوروبية اللبنانية على بساط البحث الجدي. صلاته العربية واسعة أيضا وحضر الكثير من اللقاءات العربية مع المهتمين بحقوق الإنسان وتطور الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط، وله كتب في ذلك منشورة، ربما أهمها «الديمقراطية في أميركا» الذي نشرته النهار، وقدم له الكاتب الكبير غسان تويني. في هذا الكتاب وضع شبلي ملاط قواعد العلم السياسي الجديد وزرع أفكار استعار لها جذورا من الفكر الفلسفي والعملي الإسلامي والغربي.

ولعل ملاط يقنع القارئ بأهم مقولة في الديمقراطية منذ أن تجرع سمها سقراط حتى اغتيال جون كنيدي، أن لا ديمقراطية من دون ديمقراطيين يؤمنون بها ويقبلون تطبيق شروطها على أنفسهم.

ذلك الكتاب الذي صدر بعد عام واحد من الاعتداءات على برجي نيويورك والبنتاغون، يسبر فيه شبلي بأناة الباحث المنقب تأثير ما سماه «المجتمع المدني الكوني» على التغيرات السياسية والاقتصادية الممكن حدوثها في القرن الحادي والعشرين في دول العالم الثالث. إلا أن اهتمامات شبلي ملاط الأكاديمية، ابن وجدي ملاط أول رئيس لمحكمة دستورية في لبنان، لا تقف فقط هناك، فهو الماروني الذي اهتم بالفقه الإسلامي ونشر فيه وخصوصاً من زواياه القانونية، دليل انفتاح ثقافي وبصيرة.

شبلي ملاط الذي لا ينتمي إلى أي من القبائل السياسية اللبنانية يمكن أن يقدم حتى في كونه مرشحاً جدياً للرئاسة، صورة للبنان التنافسي على قواعد تنتمي إلى القرن الحادي والعشرين، صورة المثقف والقانوني الضليع والملم بشكل واسع بكيفية سير هذا العالم الجديد، فهو كرئيس محتمل للبنان يقدم الصورة البديلة والمختلفة عن كل الرؤساء السابقين، ولعله أول من قدم برنامجاً متكاملاً لرؤيته للبنان الجديد من الاقتصاد حتى الشئون البيئية، الذي وصفته مجلة «نيوزويك» الأميركية حديثاً انه «الحالم الذي يمكن أن يحقق حلمه».

وربما يؤكد من عرفوه انه في حال فوزه لن يستخدم كلمات الاستخفاف بالديمقراطية كالقول إن غالبية البرلمانية «غالبية مؤقتة» أو «غالبية وهمية» كما انه لن يرضخ إلا لما فيه مصلحة لبنان بكل ألوان الطيف الذي يشكلها المجتمع اللبناني، كونه ممارساً مؤمناً بالحياة الديمقراطية التي تتيح للمؤسسات المنتخبة من الناس بأن تقوم بعملها من دون تعطيل أو تحقير.

ترشيح ملاط لنفسه منذ ديسمبر/ كانون الأول العام الماضي جعله يتواصل مع قطاع واسع داخل لبنان وخارجه، ومهما كان تصور البعض حول ترشيحه، فإن خطابه السياسي وحركته العامة لا يشبه لا في الشكل ولا في المضمون أي خطاب سياسي آخر

إقرأ أيضا لـ "محمد غانم الرميحي"

العدد 1306 - الإثنين 03 أبريل 2006م الموافق 04 ربيع الاول 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً