العدد 1306 - الإثنين 03 أبريل 2006م الموافق 04 ربيع الاول 1427هـ

رفقاً بسمعة البحرين

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

من الصور التي يصعب أن تفارق الذاكرة، صورة حطام طائرة شركة طيران الخليج، وخصوصاً الذيل الذي بقي في البحر قائماً مثل شاهدِ قبرٍ جماعي. وأمام رهبة الموت، يأخذك الفكر إلى عوالم أخرى، خصوصاً بعد أن تحوّل بانوشٌ سياحيٌ إلى نعشٍ جماعي، لعشرات القتلى، بحرينيين وعرباً وأجانب.

أمام الموت، ترتقي المشاعر الإنسانية وتسمو الذات، إذ تصهرها المصيبة ويهذّبها الألم. هذا مع الإنسان الطبيعي، أما من أعماه التعصّب وتحكمت به عقدة «الموالاة»، فيهمه فقط أن يثني على أولياء النعمة، وضرب «سلوت» في الليل والنهار مثل حرّاس قلاع القرون الوسطى.

وعندما تتحكّم العقد والأهواء السياسية المريضة، تصبح نوعاً من الجنون. من هنا لا ترعوي فئة «المدّاحين» عن الرقص على آلام المنكوبين، لتمارس ساديتها على الآخرين من دون إحساس بالذنب أو تأنيب للضمير. فما دخل كارثة البانوش بالمسيرات والمظاهرات السلمية التي تعبّر بها فئات الشعب عن مطالبها المعيشية المختلفة؟ ولماذا هذا الانحدار في الخطاب حتى افتقر إلى الحدّ الأدنى من الكياسة والذوق؟

فئةٌ أضاعت البوصلة فأخذت تتخبّط، لا يهمها سمعةُ وطنٍ ولا ما يقال عن الشعب. مازالت تعيش نفسياً في حقبة السبعينات، لا تدرك أن ما تكتبه ينشر على الانترنت. وفي هذه الكارثة بالذات، أصبح إعلامنا تحت المجهر، وكثير من الصحف الخارجية هذه الأيام أخذت تستقي معلوماتها مما ينشر في صحفنا، فلماذا لا يتقي الله في هذا الشعب ولا يشعر بالمسئولية تجاه الوطن؟ أليس من المخجل حقاً الكتابة بهذه الطريقة السمجة عن آلام الآخرين؟ أليس بين المنكوبين عربٌ أشقاء، سيقرأون مثل هذا المقال؟ وحتى الأجانب وذووهم، ماذا سيكون انطباعهم لو ترجم لهم بعض ما كتب عن مأساتهم؟ وهل هذه تعكس أخلاقيات شعبٍ عُرف بطيبته ودماثة أخلاقه؟

العام الماضي قتل بحريني وجرحت بحرينيتان في تفجيرات عمَّان، فماذا سيكون موقفنا لو خرج كاتبٌ أردنيٌ أحمق ليكتب ساخراً: «هربوا من شوارع عمَّان إلى الفنادق فاصطادتهم متفجرات الزرقاوي؟ وكان سيموت منهم عددٌ أكبر لو نجحت ساجدة الرياشي في تفجير نفسها».

ماذا لو كتب صحافيٌ تايلنديٌ أحمق ساخراً من السيّاح العرب أو الأجانب: «جاءوا للسياحة والاستجمام فضربتهم أمواج تسونامي؟ وكان سيقتل منهم عددٌ أكبر لو حدث ذلك في الليل»!

هل هي قلةُ ذوق؟ أم ضمورُ مشاعر إنسانية؟ أم هو ما يفعله التعصب الأعمى فيجري صاحبه وراء أهوائه السياسية وأحقاده الفئوية؟ أم انه بيعُ ضميرٍ وتأجيرُ قلم؟ أم هي تجارة و«بزنس»؟ وما هو الثمن؟ قطعة أرض (200 في 200) أم سيارة موديل 2006؟ وهل يقبل شريفٌ قط أن يتسلم ثمناً مهما غلا للسخرية بالمنكوبين وتشويه سمعة البلد وأهله؟

استيقظوا من رقادكم، لستم في جزيرةٍ معزولةٍ في السبعينات، وصحافتنا المغرقة في محليتها أصبحت رغماً عنا عالمية ولو بصورة مؤقتة، بفضل كارثة البانوش، ومن لا يمتلك ذوقاً بتوجيه كلمة مواساة للمصابين فليصمت، ذلك خيرٌ لسمعة هذا الوطن المنكوب بثقال الدم والمهرّجين

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1306 - الإثنين 03 أبريل 2006م الموافق 04 ربيع الاول 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً