تتوافر محاكم الأسرة أو ما يطلق عليها أحيانا «محاكم المصالحة الأسرية» في الكثير من الدول من بينها مصر واستراليا والهند وبنغلاديش وكندا وانجلترا واليابان وغيرها، بتمايزات وفق الظروف والإمكانات لكل بلد. ففي مصر مثلا صدر قانون بإنشاء نظام لمحاكم الأسرة في أكتوبر/ تشرين الأول 2004 وقبل انقضاء ثلاث سنوات على إصدار قانون الخلع في مصر. والهدف من هذه المحاكم هو تقديم المشورة والخدمات إلى الأسر وتنظيم إجراءات الطلاق بتجميع كل المنازعات في دعوى واحدة تنظرها محكمة واحدة. وأصبحت المتقاضية بذلك توفر بعض الوقت والمال اللذين كانا ينفقان على المحاكم المختلفة لتنظر في كل قضية على حدة. ويقضي القانون الجديد بتعيين اختصاصي اجتماعي واختصاصي نفسي لكل منازعة أسرية؛ مهمتهما تقديم النصح والإرشاد لأطراف النزاع ومحاولة تسوية النزاع ودياً، من أجل تجنب السير في إجراءات قضائية مطولة، خصوصاً حين يكون بين الزوجين نزاع حول حضانة الأطفال. ولابد أن يكون من بين هؤلاء الموظفين امرأة واحدة على الأقل، فالمحكمة لابد أن تضم امرأة وبصفة أساسية وإلزامية. ولن تستطيع المحكمة أن تعمل من دون وجود اختصاصية أنثى بها في توجه إيجابي لزيادة تمثيل المرأة في المحاكم المصرية.
ومنعا للتشكك فالهدف من محاكم الأسرة المذكورة ليس هو الانحياز إلى طرف المرأة ظالمة أو مظلومة، بل الهدف هو تمكين جميع أفراد الأسرة من العيش في أفضل الظروف الممكنة وحماية الأسرة كلها وليس المرأة وحدها. وتكمن فائدة تلك المحاكم في أنها تمنع تكدس القضايا الخاصة بالمنازعات الأسرية التي تعوق عمل المحاكم، وكذلك تمنع الأطفال من التعرض للمجرمين في قاعات المحاكم التي تنظر القضايا الجنائية أيضاً.
وتشمل إجراءات عمل تلك المحاكم مرور جميع الأسر بمرحلة سابقة للجوء إلى المحكمة وهي الوساطة بين المتنازعين في «مكاتب تسوية المنازعات الأسرية»، ويظل باب المحكمة مغلقاً قبل المرور خلال الوساطة ولا ينظر القضاة أية قضية إلا إذا حاول الاختصاصيون الاجتماعيون والنفسيون التوصل إلى الصلح بين الزوجين ولم يوفقوا في تحقيقه في غضون 15 يوماً، أو وافق الطرفان المتخاصمان معاً على تمديد الفترة لمحاولة الصلح.
وتشرح الباحثة في قضايا الأسرة والحقوق ليلى تكلا، التي تطوعت للعمل في محاكم الأحداث إثر تخرجها من كلية الحقوق، والتي شاهدت المظالم المتكررة في محاكم الأحوال الشخصية في مصر، فلسفة هذه المحاكم التي تتلخص في أن العلاقات الأسرية علاقات خاصة، وينبغي الإبقاء عليها متماسكة، ولذلك ينبغي تأسيس نظام جديد لإدارة العدالة القضائية يتوافق مع ذلك. وترى الفلسفة ان الأطراف المتنازعة شريكة في حل المشكلات وأنه لا غالب أو مغلوب، فالكل خاسر عند التشنج والرغبة في الانتقام، كما تسترشد الفلسفة أيضا بفكرة أن الرباط الأسري لا يمكن قياسه بالأحكام والإجراءات، فهناك النفوس والعقول، وهناك الفهم المتعدد والتوقعات المتباينة وبمناظير متعددة. ومن هذا المنطلق تتطلب محاكم الأسرة قضاة متخصصين لهم خبرات وقدرات خاصة، وكذلك قاعات اجتماعات ذات طابع مختلف مهيأ لمطالب الأمومة والطفولة، واستشاريين واختصاصيين في القانون وعلم الاجتماع والإرشاد الأسري. كما أن التراضي والتفاهم والرغبة في الاتفاق تتحقق جميعا عندما تتوافر الفرصة للحديث واللقاءات والحوارات والتوجيه والتبصير.
أما مراحل حل القضايا فهي ثلاث مراحل: المصالحة، الاتفاق والتقاضي. ففي مرحلة المصالحة يساعد المتخاصمين خبراء قانونيون واختصاصيون أسريون لشرح الأبعاد القانونية والنفسية والاجتماعية للخلاف بأسلوب مهني مدرك ومسئول، وفي جو بعيد عن رسميات المحاكم والنيابة. وبعد هذه المرحلة إذا تمت المصالحة تكون القضية قد انتهت، وإلا ينتقل الملف لمرحلة الاتفاق، أي الاتفاق على حل النزاع. وهنا يأتي دور الخبراء القانونيين الذين هم في رتبة مستشار سابق أو أستاذ أو محام في قضايا الأحوال الشخصية، وأيضا دور الاختصاصيين في الاستشارات الأسرية والاجتماع أو خلافه حسب الحالة.
أما مرحلة التقاضي فهي الأخيرة وعندها يتحول الملف إلى المحكمة مصحوبا بكل التقارير التي ترسم صورة واضحة للقاضي لإصدار الحكم القضائي لفض النزاع. وحسب الإحصاءات فان نسبة الحالات التي تتم تسويتها تبلغ 50 في المئة من الحالات، وفي دول أخرى تصل إلى 90 في المئة. هذه المحاكم تقلل الأعباء على القضاة وتختصر مدة الخصومة على العائلات.
وفي أستراليا فان نظام المحاكم الأسرية أكثر تشعبا ودقة ووضوحا، ويشعر الزائر لموقع المحكمة الالكتروني بجدية العمل ومنهجيته المنطقية المتسلسلة، حيث تقارير الأداء السنوية واستمارات التقويم المتنوعة والموازنات المالية المحسوبة والمدرجة في الموازنة العامة للدولة وحدائق للأطفال ومناصب ومسئوليات رفيعة وجادة للنساء المحترفات، وأمور كثيرة تستدعي مقالا آخر.
إن جزءا كبيرا من العمل في مجال المصالحة وحل المشكلات الأسرية في البحرين، تضطلع به حاليا الجهات الأهلية، مثل مركز النهضة للعلاقات والاستشارات الأسرية ومركز جمعية أوال للمساندة القانونية ومركز بتلكو لمناهضة العنف ضد المرأة، وفق إمكاناتها المحدودة والجهود التطوعية لمنتسبيها والمتعاونين معها وغالبيتهم إن لم يكن كلهم من النساء. وعندما ننتقل إلى المحاكم نجد أن الطاقم قد تحول كله إلى رجال، وكأن عداوة ما بين المرأة والعمل كقاضية أو اختصاصية في المحكمة. وأرى أنه لابد من أن تقوم الجهات المسئولة بتقويم دورها في مجال الإصلاح الأسري وفي بنية نظامنا القضائي، وتطعيمه بما يؤهله لأداء دوره لخدمة الأسرة بكفاءة وعقلانية، بعيدا عن الهياكل المحنطة التي تجاوزتها حتى بعض الدول النامية.
لدينا استراتيجية للعمل الاجتماعي واستراتيجية للنهوض بالمرأة ونصوص دستورية لحماية الأسرة، ومازلنا من دون قانون لأحكام الأسرة يحفظ كرامة المرأة وحقوق الأطفال، ومن دون موازنات واقعية ومحددة لحماية الأسرة، ومن دون مؤسسات للدعم اللازم لتنفيذ الأحكام، كصندوق النفقة ومحاكم الأسرة والكفاءات المتنوعة في المحاكم. ولعلنا نتعلم من تجارب دول عربية سبقتنا مثل المغرب، مصر، سورية والأردن حتى تعيش أسرتنا البحرينية أياما آمنة جميله لم تعشها بعد
إقرأ أيضا لـ "فريدة غلام إسماعيل"العدد 1306 - الإثنين 03 أبريل 2006م الموافق 04 ربيع الاول 1427هـ