العدد 1305 - الأحد 02 أبريل 2006م الموافق 03 ربيع الاول 1427هـ

البانوش

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

أهل البحرين ارتبطت حياتهم بالبحر، ودفعوا الكثير من القرابين في سبيل انتزاع لقمتهم الحلال من بين أنيابه في الأزمنة الغابرة، ومازال التراث يحمل آثار تلك المعاناة الطويلة، من الغناء البحري والأمثال والحكايات الشعبية التي اعتادت النساء إفراغها في آذان صغارهن قبل المنام، حتى قبل جيلين... فضلا عن النتاج المسرحي والشعري والأدبي في العصر الحديث.

البحر في وجدان الكبار هو ذلك المارد الصعب المتمرد، مبتلع الأحبة، بينما هو في وجدان الجيل الجديد هو تلك البقاع الصغيرة المتبقية من الساحل هنا وهناك، يرتادونه للنزهة أو رمي «الأضحيات» في عيد الأضحى. ومع ذلك كتب على أبناء هذا الجيل الجديد أن يشهدوا الوجه العابس من البحر، في حادثتين مروعتين خلال خمسة أعوام. في الماضي، كان البحر يبتلع الأحبة الكادحين، الذين يخرجون أربعة أشهر، يضربون في البحر حيث مغاصات اللؤلؤ، يلتحفون السماء ويغنون لنجومها في الليالي الطوال، ويعلم الله من يعود منهم ومن يبتلعه البحر بحيتانه وجراجيره في تلك الطباق المظلمة. كل أولئك من أبناء البلد، أما اليوم فالمصيبة إذا وقعت، سقط الضحايا من أقوام شتى. قبل خمس سنوات عاش أهل البحرين بكل مشاعرهم كارثة سقوط طائرة طيران الخليج، وعلى متنها ركاب من بلدان شتى، كتب الله عليهم الموت في تلك الساعة من الزمن، على مقربة من الشاطئ، واليوم كتب الله أن يلقى أقوام آخرون حتفهم على متن سفينة، جمعهم الأجل المحتوم من بلدانهم البعيدة.

في تلك الكارثة، سمعت الخبر من طبيبة قريبة، فركبت السيارة واتجهت إلى قسم الطوارئ، لم يكن أحد من أهلي مسافراً، لكن أيا كان المصاب فهو مصاب أهل البحرين جميعاً. لم تكن الصورة واضحة في ظل تكتم إعلامي في أواخر فترة «أمن الدولة»، فكان لدي أمل تلك الليلة، بأن يخرج الجرحى من المستشفى، ولم يكن يدور بخلدي أن الطائرة أصبحت قبراً لجميع ركابها. في الصباح اكتشفت هول الكارثة.

في كارثة البانوش، وقبل أن أغادر مبنى الصحيفة، قبيل العاشرة بقليل، بدأت تتوارد مكالمات مبتورة عن غرق سفينة، وأول ما تبادر إلى ذهني انها سفينة صيد صغيرة، ربما تقل صيادا أو صيادين خرجا في الظلام ينتزعان اللقمة الحلال لعائلتيهما. لم يدر بالبال أنها كارثة أخرى مخبوءة، وأن الضحايا بالعشرات، خرجوا في نزهة فتحول البانوش إلى قبر جماعي وسط المياه.

البحرينيون الذين أنهكتهم السياسة وأوجاعها، تقرأ مشاعرهم الحقيقية في أوقات المصيبة، مواساة وتعزية تجل عن الوصف. ويؤسفنا أن يخرج من بينهم مراهق خمسيني يتلاعب بالكلمات ويسيئ الأدب وخصوصا مع ضيوف البلد، خالطا المصيبة بأهوائه السياسية، فيقول مستخفا دمه إن المنكوبين هربوا من اليابسة إلى البحر بسبب المظاهرات والاعتصامات. انه وقت مصيبة وعزاء، ولا نملك إلا قول: «إنا لله وإنا إليه راجعون». معذرة إلى ضيوف البحرين من أقوال مثل هذا السفيه، فقلوب أهل البحرين جميعا معكم، حزنهم من حزنكم. فللموتى الراحة والرحمة، ولأهلهم الصبر والسلوان

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1305 - الأحد 02 أبريل 2006م الموافق 03 ربيع الاول 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً