«نحن نعتبر هذه الحقائق واضحة بذاتها، إن جميع الناس يخلقون متساويين، وانهم يمنحون من خالقهم حقوقاً معينة غير قابلة للنزع، منها الحياة، الحرية، والبحث عن السعادة...».
للقارئ أن يأخذ اقتباس هذه العبارات من مصدرين، الأول هو إعلان الاستقلال للولايات المتحدة الأميركية في الرابع من يوليو/ تموز 1776، أما المصدر الثاني فهو الفيلسوف البريطاني جون لوك، الذي اعتبر تلك الحقوق حقوقاً طبيعية للإنسان، وانها غير قابلة للنزع.
إن مبرر وجود الحكومات - وبالطبع طبقاً لجون لوك - هو: «حمايتها لهذه الحقوق الأساسية»، وبغياب هذه الحماية، يغيب تلقائياً مبرر وجودها. حين تعمد الحكومة إلى استفزاز الشارع السياسي بين فترة وأخرى، بما تعلم أنه يقع في زاوية المحظور بالنسبة لها، فهي ببساطة تتحول إلى ما هو نقيض استقرار الإنسان، وحريته، وحقوقه، وسعادته.
«الحكومة» مطالبة بأن تقدم مبرر ضرورة وجودها، وهو محدد سلفاً بضمان الحرية والسعادة لمواطنيها، وليس لها أن تقف في محور «العدو» له. هذا الإشكال والذي يجعل من الحكومة في مشهد المتحدي يختزل الإيمان بها، والاقتناع بأدائها السياسي.
أعضاء البرلمان حين أعلنوا ذلك مجازاً قبل مدة، بعدم استطاعتهم التعامل مع الحكومة توترت الأجواء السياسية، وسارع بعدها الأعضاء إلى الاعتذار عما بدر منهم من «خطأ»! وطالبهم أحد الوزراء بأن يلتزموا «بالسنع»! مع كون ما طالبوا به حقاً دستورياً، ضمنه لهم الدستور في مواده، فلماذا يلامون على حق كفله الدستور لهم؟
الحكومة لابد أن تعيد من أساليب تعاملها مع الشارع السياسي ممثلاً بالبرلمان والجمعيات السياسية والنخب السياسية في المعارضة، ولابد أن تعي أنها مطالبة بتغيير معايير سلوكها السياسي، وأن الكثير من الفعاليات السياسية المقبلة ستكون محطات اختبار لقياس مدى قدرتها على التناغم مع السلطة التشريعية وقوائمها الشعبية، وعليها أن تؤكد صدقيتها في تحقيق التبرير المنطقي لوجودها، وعليها أن تكون مقتنعة بأي سيناريو سياسي قد يخرج به نواب المعارضة في الدورة المقبلة.
النموذج الأميركي الدستوري اشتغل بتفعيل الدور الدستوري الحكومي كجهة تنفيذية فقط لا غير، وألا تبالغ في التعدي على مهمات التشريع، والحكومات الأميركية فطنت لدورها منذ أكثر من ثلاثمئة سنة، أما حكوماتنا فهي مازالت عاجزة عن احترام حقوق الناس، فضلاً عن إعطائهم فرصة للبحث عما سماه «الأميركيون» بالبحث عن السعادة. نحتاج حكومة تعرف كيف تساهم في صناعة شيء نفتقده بشدة، وهو حق بسيط اسمه «السعادة»
إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"العدد 1305 - الأحد 02 أبريل 2006م الموافق 03 ربيع الاول 1427هـ