في مساء 23 أغسطس/ آب من العام 2000 لقي 143 شخصاً حتفهم بينهم أكثر من 40 مواطناً من مختلف الأعمار كانوا على متن طائرة من طراز (إيرباص 320) هم جميع ركاب وأفراد طاقم الطائرة التابعة لشركة طيران الخليج عندما سقطت وهي قادمة من القاهرة قبالة الساحل الشمالي لمدينة المحرق قبيل دقائق قليلة من هبوطها في مطار البحرين الدولي، ومنذ ذلك اليوم، حتى يومنا هذا، لم ينس المواطنون والمقيمون تلك المأساة التي دخلت كل بيت... والشريط المحزن لم يتوار عن الذاكرة بعد، حلت كارثة بانوش «الدانة» لتعيد الى الأذهان والوجدان، أحزان مساء كئيب مؤسف، لا يتحمله الفؤاد.
وبعيداً عن استعادة الصور المحزنة، دفعت هاتان الكارثتان، في العام 2000، وفي عامنا هذا 2006، السؤال: «أين اختفى ملف الخطة الوطنية لمكافحة الطوارئ والكوارث؟ ذلك الملف الذي فتح منذ العام 1990، في حرب الخليج الثانية، عندما جرى أول تمرين في مطار البحرين الدولي للتدريب على كارثة وهمية وذلك لتقييم أداء الأجهزة الحكومية ذات العلاقة كلها بلا استثناء في حال وقوع كارثة أو حدث طارئ كبير!
كانت «الفضائح» يومها ليست كبيرة، لكنها مخيفة... فعربات الإسعاف لا تصل الى موقع الحدث بسهولة، وكذلك آليات الإطفاء، وزد عليها عدم تأهيل المراكز الصحية والمستشفيات، وضعف الاتصالات وتوافر المعلومات وانتقال الجهات المعنية الى موقع الحدث في الوقت المطلوب... سوء الشوارع ومشكلات أخرى منها ضرورة التركيز على توعية الناس بدرجة أكبر ليبتعدوا على الأقل عن الطريق ويفسحوه لسيارات الإسعاف التي تعاني بسبب عدم قدرة بعض السواق على التصرف.
أطراف المشكلة ظهرت بشكل واضح في مأساة بانوش «الدانة»... فعلى رغم الأداء الطيب الذي قامت به بعض الأجهزة الحكومية، وحصلت على مكافآتها المعنوية بتركيز على المؤتمرات الصحافية والتصريحات والكلمات وعبارات الثناء على هذا الأداء، فإنه لا يجوز تغيبب جوانب أخرى مهمة في تلك الليلة.
توجه غير جاد!
يتذكر أحد المسئولين المتقاعدين بوزارة الصحة، أنه كان لدى الدولة توجه لتشكيل لجنة لمواجهة الطوارئ والكوارث وهو توجه عالمي ولا يقتصر على مملكة البحرين أو دول الخليج المجاورة، أو على مستوى الإقليم، إلا أن ذلك التوجه لم يكن جاداً ولم يحظ بدعم الحكومة واهتمامها.
ويعتقد أن السبب في ذلك، يعود الى الاستهانة بالفكرة، وعدم الرغبة في تنفيذ برامج عمل وصرف موازنات واستعدادات لحوادث (نادراً ما تقع بحسب فهم البعض)... بل أتذكر أن البعض كان يقول مكتفياً بعبارة: «البحرين ليست على حزام الزلازل»... ومع بدء حرب الخليج الثانية واستشعار خطر الأسلحة الجرثومية والغازية، واحتمال وقوع صواريخ أو ما شابه بدأ نوع من الجد يدفع الدولة للتحرك الفعلي، ثم انتهت الحرب، وانتهت فترة «الجدية» المحدودة... لكن على مدى الخمسة عشرة عاماً الماضية، تم اجراء تدريبين وهميين، اثبتا وجود نواقص كثيرة، لكن بعد ذلك، انصب الثقل كله على الدفاع المدني، وعلى مرافق بعينها، ولذلك، يصبح من الصعب التعامل مع بعض حوادث المرور الكبيرة، فما بالك بحادث سقوط طائرة أو غرق بانوش.
ويشدد على أن الحل يكمن في إعادة تشكيل لجنة وطنية لمكافحة الطوارئ والكوارث، وأن يكون هذا المقترح مدفوعاً بشعور وطني، تتبناه صحيفة «الوسط» لأنها طرحت الموضوع، على أن تبادر الدولة إلى النظر في هذا الموضوع بأهمية أكبر، ولا عيب أبداً حين نعترف بالقصور في أداء الكثير من المرافق والأجهزة بدلاً من كيل المزيد من المديح وعبارات الإطراء... فمن يعمل يستحق الثناء، لكن نريد صراحة أكثر... وهذه الصراحة إن غطاها النفاق، فستكون العواقب وخيمة.
ولم نتوفق ونحن نفتح هذا الموضوع، في اشراك عدد من المسئولين والمتخصصين في القطاعات الرئيسية لمناقشة موضوع اهمال ملف الطوارئ والحوادث! ربما بسبب الانشغال بموضوع كارثة «البانوش»، لكننا مع ذلك سنبحث الفكرة مع عدد من المشاركين الشباب في هذا الاستطلاع:
يذكر مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية في عدده الثاني الصادر في فبراير/ شباط 2005، أن البحرين تعهدت بتقديم المساعدات لضحايا الكوارث الطبيعية في العالم منذ الثاني من يناير/ كانون الثاني 2005 بالتبرع بمبلغ 2 مليار دولار لمساعدة الدول التي تضررت من الزلزال المدمر وموجات تسونامي للمد البحري، كما ناشد مجلس الوزراء المواطنين والمقيمين الأجانب وحثهم على عمل الخير والتبرع بكل ما يستطيعون، بهدف مساعدة الدول المتضررة، وإضافة إلى ذلك عرضت شركة اتصالات البحرين (بتلكو) مكالمات هاتفية رخيصة للعملاء المقيمين في البحرين والذين لهم أقارب أو أصدقاء في الدول التي ضربتها موجات تسوماني في جنوب شرق آسيا ومنطقة المحيط الهادي وإفريقيا خلال الأسبوع الأول من يناير. كما تقوم البحرين بتدشين حساب خيري يتم التبرع بكل عوائده للمنظمات الخيرية وضحايا الحروب والمجاعات والكوارث الطبيعية.
فهل أعدت الدولة خطة أو موازنة استعدادا منها لأية كارثة تحدث؟ علماً بأن البحرين مرت بكارثة سقوط طائرة وهي الأولى من نوعها في البحرين إذ هوت الطائرة بجميع من كانوا على متنها إلى البحر قبالة البحرين وعددهم 143 لقوا حتفهم وان جميع جثث الضحايا انتشلت، ويذكر أن الرحلة التي كانت تحمل رقم 320 كانت متجهة من القاهرة إلى البحرين.
والحادثة الأليمة الأخرى حادثة غرق البانوش السياحي والذي قضى على حياة 54 سائحاً من جنسيات مختلفة إثر انقلابه في فجر 31 مارس/ آذار الماضي.
الاستعداد للكوارث... كيف؟
ويطالب الكثير من المواطنين والمقيمين والمتخصصين بأن يتم تشكيل لجنة تضم في عضويتها عدداً من الأجهزة المختصة ومنها وزارات الإعلام والعمل والصحة والداخلية والمؤسسة العامة للشباب والرياضة، لوضع التصورات المتعلقة بالكوارث والحوادث، ويرى القائد الكشفي عيسى فولاذ، وهو قائد في كشافة البحرين تلقى تدريباً في مجال الإنقاذ، أن الكارثتين اللتين عصفتا بالبحرين اثبتتا ضعف خطة التحرك، موضحاً أن التحرك كان بطيئاً، ولم يكن هناك من الكوادر المدربة والمؤهلة الشيء الكثير، ولسنا في حال الحديث عن سلامة خروج السفينة او ترخيصها، بل نتحدث عن الكارثة بحد ذاتها، فيجب علينا أن نعد العدة لعملية الإنقاذ على أرض الواقع، فإن الذي تابع الحادثتين - الطائرة أو البانوش سيجد أن الحادثتين لم تلقيا كوادر إنقاذ مؤهلة وليست لديهم تجهيزات للإنقاذ متطورة وسريعة، فلا بد لنا من أن تكون هناك مجموعة من كل الجهات ذات العلاقة مدربة للتحرك في أية كارثة، ومهيئة بحراً وجواً وبراً كل على جهة وعلى حدة وأن يشتركوا تحت نقطة مركزية توجههم.
سبع سنوات بلا استعدادات!
ولعل المسعف عون الفاضل الذي تحدث معنا عن تجربتة، يدرك حجم المسئولية، فهو يقول إنهم كمسعفين على أهبة الاستعداد للمشاركة في أية عملية انقاذ من دون تأخر، مشيراً الى أن أداء المسعفين في الحوادث الكبيرة، حتى وإن كان ضعيفاً في الأيام العادية وفي الحوادث اليومية، إلا أنهم يتحركون بدرجة ومهارة أكبر بكثير كما حدث في كارثة الطائرة فإن أول إسعاف وصل إلى الموقع خلال 5 دقائق، أما سبب تأخر الإسعافات في حادث البانوش فإنه يعود لعدم تلقي البلاغ إلا بعد ثلث ساعة من وقت غرق البانوش، ولم تنتظم حال الطوارئ في الشوارع طبقاً لما هو مطلوب، ولكن تحركت 17 سيارة إسعاف من مجمع السلمانية الطبي مباشرة بعد تسلمها النداء.
ومع متابعته اليومية ولمدة سبعة أعوام للإسعافات في مجمع السلمانية الطبي، فإن الفاضل يقول: «لم ألحظ حالاً من الاستعدادات للكوارث، وقد نظمت دورات حضرتها للكوارث مع الجيش الأميركي ومع الدفاع المدني، وتزامنت مع حوادث عالمية، كحرب الخليج وحرب احتلال العراق، ولا أرى أن أحداً في أقسام الإسعاف التحق في دورات خاصة للكوارث ما عدا الدورات والتدريبات المتعلقة لفرق الانتشال المختصة بالفورمولا».
ويؤكد الفاضل أنه لابد من وجود لجان خاصة للكوارث، ويعتقد أن المسئولين في وزارة الصحة أن الوزارة اكملت كل الاستعدادات للكوارث إذ ابتعثت 4 مسعفين كفريق للتخصص في طب الطوارئ لمدة 5 أعوام ولتشكل بعدها لجنة للطوارئ، وابتعثت منهم أطباء للتدريب في جمهورية مصر العربية ومكة المكرمة، واعتقد أن هناك خطة لتشكيل لجنة وفريق للكوارث في دائرة الطوارئ والحوادث، نأمل أن يكون بمستوى التعامل مع الكوارث.
تحديد الأدوار والإجراءات
لم يلحظ رئيس جمعية شباب وأطفال المستقبل صباح الزياني نظاماً للتعامل مع الطوارئ والكوارث، ولكن أود التأكيد على ضرورة توزيع الأدوار والإجراءات في مثل هذه الحالات، ويجب اتخاذ الإجراءات في المؤسسات ذات العلاقة طبعاً.
ترى، ما الذي لاحظه الزياني؟ يقول إنه في كارثة البانوش، تم اتخاذ الإجراءات من جانب الجهات الرسمية، واعطى ذلك الانطباع بأن هناك استعداداً لمثل هذه الحالات، ويبقى أن أؤكد أننا في حاجة إلى الإجراءات المنظمة، وتشكيل لجان تعمل بصورة متناغمة في مثل هذه الأوقات العصيبة.
وفيما يتعلق بملاحظاته بشأن عمليات الإنقاذ، يشير الى أن الأجهزة الحكومية التي قامت بالإنقاذ لها دور بارز يشاد به وبكل الجهات المسئولة، والتي تتمثل في وزارات الداخلية وقوة دفاع البحرين والصحة والحرس الوطني والأجهزة الإعلامية والصحافية التي ساعدت في عمليات الإنقاذ في الحادثتين وكذلك دور المواطنين، إذ لاحظنا ما قام به المركز الإعلامي الذي بث الحدث مباشرة من موقعه... اضف اليها المتابعات السريعة ومتابعة كبار المسئولين وحضورهم الذي أثلج الصدر... لذلك، أعتقد أن هناك لجنة تشكلت بسرعة منذ وقوع الحدث، وأن هذه التجربة، وتجربة كارثة الطائرة، منحت المعنيين الفرصة للاستفادة واكتساب الخبرة.
إن وجود لجنة لمكافحة الطوارئ والكوارث، كما يعتقد الزياني، يتطلب خطة ويجب أن تقوم الجهات المعنية بتدريبات مكثفة من خلال الدورات وأن تتلقى دعماً من الجهات الرسمية والخاصة... إن الدور الذي تلعبه المراكز الصحية والدفاع المدني، والإعلام وأجهزة الأمن هو دور مهم، ويبقى للخطة دورها في إيجاد لجنة تتبعها وأن تكون هذه اللجنة موزعة ومشكلة من كل الجهات ذات الصلة.
لم تكن هناك أية شفافية!
وخلاف ما قاله الزياني، يرى رجل الأمن زكي السماهيجي أنه لم تكن هناك أية شفافية في التعامل مع هذه الحادثة المأسوية لا سيما بالنسبة إلى دقة المعلومات، لكن النقطة المهمة هي أن المسئولين الأمنيين تحدثوا الى أجهزة الإعلام وهذه بداية جيدة تحسب الى المسئولين في الوزارة.
ويوضح السماهيجي أنه لابد من أن يكون هناك استعداد لكل حدث أياً كان حجمه، لا أن يتم التعامل مع كل حدث ضمن حدود وقوعه و... انتهى الأمر.
ويؤكد السماهيجي ضرورة أن يكون المواطن مطلعاً على الكثير من الأمورمن ناحية تنقلاته البحرية والجوية، وأن يشعر بأن هناك جهة تحميه ومستعدة لأي طارئ وأية كارثة كانت.
هنا رأي ختامي مغاير، فمشرف وحدة الصيانة في جامعة البحرين حبيب كاظم يقول إن كل الأجهزة العاملة في مجال الإنقاذ تعمل بالمستوى المطلوب، وفي حال وقوع الكوارث والحوادث الكبيرة، فإن المجهود يتضاعف من دون شك.
أما بالنسبة إلى القوانين التي لها علاقة بتقليل الحوادث فإنها تعمل، ولذلك استطيع القول إن أداء الأجهزة المعنية في حادثتي الطائرة والبانوش ضعيف اللهم الا فيما يتعلق بالنقل التلفزيوني الذي ركز على دور تلك الأجهزة في التعامل مع الحدث؟
لكن يبقى سؤال مهم بلا إجابة... لماذا اختفى الملف؟ وكيف يمكن فتحه من جديد؟ النواب قد يكون لديهم القول الفصل...
نقاط رئيسية في خطة الطوارئ والكوارث
الأول: تستخدم كلمة إعلان حالة الطوارئ: في الكوارث الطبيعية.
الثاني: تستخدم كلمة حالة الطوارئ: في الكوارث الاجتماعية.
الثالث: تستخدم كلمة الطوارئ: للوضع الأمني غير المستقر.
الرابع: تستخدم كلمة الطوارئ: للكوارث الصحية.
الخطة الوطنية لمواجهة الطوارئ والكوارث تشمل بنوداً مهمة منها:
- تعريف الكوارث وما يمكن أن تسببه من ضحايا بشرية وخسائر مادية.
- تقسيم الكوارث من حيث مسبباتها ويعنى بها الكوارث الناتجة عن أسباب طبيعية كالزلازل والفيضانات والبراكين، والكوارث الناتجة بفعل الإنسان خصوصا مع التقدم التكنولوجي واعتماد الميكنة والتصنيع والحروب.
- تقسيم الكوارث إلى مستويات ثلاثة من حيث حجمها والنتائج المترتبة عليها وحجم ردود الفعل للتعامل معها:
أ - كارثة من الدرجة الأولى: إذ يمكن التعامل مع تلك الكوارث بالإمكانات المحلية المتوافرة.
ب - كارثة من الدرجة الثانية: إذ يحتاج التعامل معها إلى الإمكانات المحلية ومساعدة المناطق المحيطة.
ح - كارثة من الدرجة الثالثة: إذ يتطلب التعامل معهـا الإمكانات علــى مستوى الدولــة.
مراحل خطة الطوارئ والكوارث:
أ - الوقاية قدر الامكان كالاخلاء المسبق قبل الحدوث الفعلي للكارثة.
ب - التخطيط المسبق.
ج - الاستجابة لحالة الطوارئ والكوارث.
د - انتهاء حالة الطوارئ
العدد 1305 - الأحد 02 أبريل 2006م الموافق 03 ربيع الاول 1427هـ