العدد 1304 - السبت 01 أبريل 2006م الموافق 02 ربيع الاول 1427هـ

لنعالج الكارثة... كدولة متحضرة

سلمان بن صقر آل خليفة comments [at] alwasatnews.com

الكارثة التي حلت بالبحرين في غرق البانوش السياحي (الدانة) ووفاة ما يقارب نصف عدد السياح الموجودين عليه، هي كارثة بكل ما تحمله الكلمة من معنى... ويجب التوقف عندها طويلاً والتفكير بعمق ومراجعة كل الحسابات والمسببات التي ستجعلنا نعاني أمام عدة دول أجنبية... وبداية هذه الحسابات هي الاعتراف بأن السبب الرئيسي الذي يقف وراء هذه المصيبة التي حلت علينا هو خطأ صادر من عدة جهات مسئولة في البحرين.

الأعداد الكبيرة من البشر الذين فقدوا أرواحهم في مياه ليست بالبعيدة عن الشواطئ... هم مواطنون لدول متحضرة... وهذه الدول تريد أجوبة مقنعة عن الأسباب، مثلما هي تريد التعويض لعائلات الموتى والمفقودين... وإذا أرادت دولتنا أن تصل إلى حلول منطقية مع دول وعائلات المتوفين، فيجب عليها التعامل مع هذه المشكلة بأسلوب حضاري يبين للآخرين كم نحن دولة قوانين ونحاسب جميع المخطئين.

وبداية... وإذا أردنا أن نضع الحلول لهذه الكارثة كدولة متحضرة... يجب علينا الاعتراف بأننا قد أصدرنا التراخيص لهذا البانوش بطريقة خاطئة... فيها الكثير من الثغرات التي لا يمكن أن تمر على أناس هواة... فكيف بمسئولين من المفترض أن يكونوا على درجة من الحرفنة في أعمالهم التي لها علاقة بحياة الكثير من البشر وعائلاتهم.

البانوش السياحي (الدانة)... من مظهره الخارجي وطريقة صناعته يعرف حتى الإنسان البسيط الهاوي بأنه مصنوع فقط حتى يربط إلى اليابسة، ويستخدم كمطعم عائم وثابت... فمن الذي أصدر له الترخيص حتى يكون متحركاً في عرض البحر وهو يحمل عدداً كبيراً من البشر؟... وعلى أي أساس أصدر له هذا الترخيص؟... ومن الذي قدم له شهادة الفحص بأنه ناجح؟... هذه يجب أن تكون بداية التحقيق.

بعد ذلك يجب أن نسأل: هل صحيح أن البانوش غير مؤمّن؟... ومن الذي سمح له بالعمل من دون تأمين؟... ومن الذي سيعوض الركاب، وأهالي المتوفين والمفقودين؟... وأين المسئولون عن السياحة طوال هذا الوقت؟... هل فتش أحدهم على البانوش، أو أوراقه وتأمينه؟... وهل فتش أحدهم على خبرة القبطان وشهاداته، أم أنهم لا يعرفون ما هي واجباتهم؟... والمسئول عن مسئول السياحة، هل يعرف أنه هو مخطئ في هذه الكارثة.

إذا اعترفنا بداية بأن هناك الكثير من الأخطاء التي وقعت من جانب موظفين حكوميين كان لا يفترض فيهم أن يقوموا بهذا الإهمال الذي أودى بحياة 57 راكباً أجنبياً، عند ذلك ستكون عندنا الطريقة الحضارية لمعالجة هذه الكارثة... وإذا حاسبنا كل موظف تسبب في هذه الكارثة بسبب الإهمال... أو لأسباب أخرى نحن جميعاً نعرفها، فعند ذلك ستكون هذه المعالجة درساً مستقبلياً لكل موظف مهمل في عمله... أو يتعامى عن مخالفات موجودة يراها حتى ضعيف البصر.

صحيح أنه يوجد الكثير من الإهمال واللف على القوانين من جانب أناس من خارج الوزارات الحكومية، ويجب محاسبتهم على ذلك... وصحيح أن القبطان غير مؤهل أصلاً لقيادة هذه السفينة السياحية، ويجب محاسبته على أخطائه التي أدت إلى غرق البانوش... وصحيح أن المالك هو الذي سمح لهذا القبطان بالعمل وسلمه في يده حياة أناس أبرياء، ويجب محاسبته لأنه مسئول عن القبطان وعن البانوش غير المؤهلين للجولات البحرية... هذا كله صحيح.

ولكن الصحيح أيضاً أن وزارة الإعلام، وإدارة السياحة التابعة لها، وكل وزارة أو إدارة حكومية شاركت في إعطاء الترخيص لهذا البانوش غير المؤهل (لا هيكلاً ولا إدارةً) بحمل السياح والتجوال بهم في عرض البحر، كلهم مسئولون عن الكارثة ويجب محاسبتهم عمّا فعلوه بحق سمعة وطننا في الخارج.

في الدول المتحضرة... والمتقدمة... عندما تحصل فيها هذه النوعية من الكوارث والحوادث، فإنها لا تتستر على المسئولين الفعليين عنها... مهما كبرت مناصبهم... وتبدأ الرؤوس بالطيران، بداية باستقالة الوزير المعني، ثم يلحقه كل من له علاقة بالأمر... من قريب أو بعيد... يعني بالمعنى الصريح يحاسبون المسئولين قبل أن يحاسبوا الآخرين.

ونحن لدينا الآن بانوش خشبي ضعيف... ليس له «بيص» يسمح له بالاستقرار في البحر... ومكون من ثلاثة طوابق تجعله غير متزن... وغير مؤمّن عليه... ويقوده قبطان غير مؤهل... ويوجد عليه عدد 126 راكباً... وغرق معهم... ونجا منهم فقط 68... ولديه تصريح رسمي... فمن نحاسب؟

إقرأ أيضا لـ "سلمان بن صقر آل خليفة"

العدد 1304 - السبت 01 أبريل 2006م الموافق 02 ربيع الاول 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً