المؤتمر الذي تم عقده في سويسرا حمل الكثير من التطلعات المعرفية والفكرية، إضافة إلى التطلعات السياسية لطبيعة الخريطة السياسية في العالم العربي، لكن بقي تساؤل يلح كثيراً عبر عدة أوراق قدمت: ما السر في تطور الغرب وتأخر المسلمين؟ كيف نتفهم جماليات الحداثة وسحر التطور التكنولوجي من دون أن يفقدنا ذلك هويتنا الإسلامية (بالنسبة إلى المتحدثين المسلمين)، والمسيحية (بالنسبة إلى المسيحيين؟).
من الخطأ تصور أن كل الشعوب الغربية تؤمن بالأخطاء الأخلاقية التي تشرعن عبر القوانين الغربية من قوننة المثلية وغيرها. التقيت عدة شخصيات فكرية في الأيام التسعة التي قضيتها هنا في سويسرا، ورحت أناقشهم برؤية نقدية لبعض القوانين فوجدت أن هناك من يحمل التحفظ ذاته. اذاً ليس من الصحيح وضع كل الشعوب الغربية في بوتقة واحدة. لمحت هناك درجة من الخوف مما علق بالإسلام من صور سوداوية نتيجة العنف والإرهاب الذي حدث وبعض الخطابات التي راحت تختصر العالم إلى دار إسلام ودار كفر، لكن يبقى هناك إيقاع أخلاقي يعزفه المواطن السويسري حين يرى العربي وهو بسحنته الشرقية يتحدث معه في الستي سنتر أو في المؤتمر أو المطعم، هذا العزف عزف أخلاقي جميل، ولعلها تكون طبيعة في هذا المجتمع فرضتها ظروف المعيشة من رفاهية العيش وديمقراطية النظام وسلطة القانون وجمال الطبيعة ومالية المدينة.
في المؤتمر قدمت أوراق عدة، وعلى رغم تحفظي على بعض التفاصيل في بعضها، فإنني وجدت في بعض مواقعها رؤى تحتاج إلى تمعن ودقة منها ما طرحه المفكر الشهير عفيف الأخضر من قراءة نقدية لبعض البنى الفكرية التي يرتكز عليها بعض الإسلاميين. أسئلة كثيرة دار حولها النقاش: ما هو موقف المسلم من العولمة؟ كيف نتعاطى مع العصرنة؟ هل بالانغلاق أم الانفتاح مع عدم صهر القيم؟ هل هناك أفق للسلام العالمي؟ هل للشعوب أن تخرج من صوامعها المذهبية إلى حيث اضاءات العالم الانساني؟ لماذا الشعب الأوروبي يعيش حالاً من الرفاهية - على رغم بعض المشكلات - ويعيش جاداً في عمله ويتحول بفضل الفلسفة السياسية الناقدة إلى مواطن جدلي محاور يدفع الضرائب لتتحول الوزارات الى أجهزة تقوم بخدمته، الوزير يخشى المواطن وليس العكس بخلاف وضع المواطن العربي؟ هل من أفق توحدي بين الديانات في العالم العربي أم سيبقى تفخيخ المساجد والكنائس والمآتم والمعابد هو سيد الموقف؟ إلى متى تبقى المرأة مخطوفة إلى حيث الوصاية، على رغم أن الإسلام أعطاها مساحة واسعة من التحرك؟ في البحرين مثلا ليس صحيحا أنه لا توجد كفاءات نسوية تستطيع أن تشترك في الترشح للانتخابات البرلمانية المقبلة، بل حتى للبلدية. على البحرينية أن تقدم نفسها وتثبت جدارتها في الانتخابات، وأن تتحدى الظروف وليس بالضرورة أن تنجح، وخصوصاً في ظل سيطرة العقل الجمعي والعاطفي على المجتمع، ولكنها مطالبة بالتحدي مع الزمن لتصل إلى قبة البرلمان في يوم من الأيام، ولو بعد سنين.
يجب احترام كل الاجتهادات السياسية غير الداعمة لدخول المرأة للبرلمان، لكن ذلك لا يوجب الأخذ بها، وليس مفروضا علينا الأخذ بها سياسيا ولا فقهيا ولا ميدانيا، فلا يوجد إشكال إسلامي في دخول المرأة إلى البرلمان. في المؤتمر تمت أيضاً مناقشة الأبعاد الإنسانية في تلاقي الحضارات والأمم وضرورة الاستفادة من الشعوب وحضاراتها عبر منتوجاتها البشرية التي تصب في خدمة البشرية وتتطلع إلى تطوير الإنسان. هنا عبر المؤتمر تحدثت عن بعض الرؤى الإسلامية التي نادى بها الإمام علي (ع) مرشدا إلى مصادرها وتفاجأت بأن هناك من الحاضرين من لم يسمع بمثل هذه المثل والقيم، وخصوصاً من الديانات الأخرى. بعضهم طلب مني أن أرسل له «نهج البلاغة» ليعرف الرؤية الإسلامية تجاه الإنسانية. وعدتهم بذلك وقلت لهم إن التراث الإسلامي مليء بالروايات التي تركز على الحب والسلام والإنسانية والانفتاح الحضاري بين الأمم، وهذه المفاهيم هي عنوان المحاضرة التي سألقيها في النمسا في مدينة فيينا لاحقاً. مؤسسة تصحيح العقل العربي تشكلت وبقيت الآن التفاصيل
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 1304 - السبت 01 أبريل 2006م الموافق 02 ربيع الاول 1427هـ