تحتار وأنت تستمع إلى اعترافات وزيرة الخارجية الأميركية كوندليزا رايس، بأن بلادها «ارتكبت آلاف الأخطاء التكتيكية في العراق»!
جاء ذلك الاعتراف في خطابها عن السياسة الخارجية الأميركية، إذ قالت بالحرف: «إنني أعلم أننا ارتكبنا آلاف الأخطاء التكتيكية... لكن حين ننظر إلى التاريخ، سيحكم على الموضوع من زاوية ما إذا اتخذنا القرارات الصائبة».
وإذا كانت رايس تتحدث عن «آلاف الأخطاء»، فإن كل خطأ من هذه الأخطاء يعني بلغة الأرقام أشلاء خمسين عراقياً يسقط يومياً في تفجيرات عبثية، إذ يمارس أعداء الشعب العراقي لعبة موت مفتوحة. فالعراقيون الذين دفعوا ثمن جرائم الاستبداد الداخلي 30 عاماً، عليهم أن يدفعوا ثمن جرائم الاجتياح الخارجي عقوداً أخرى.
رايس التي تشعر في داخلها بعار «غوانتنامو»، أرادت أن تواري سوأة بلادها بالقول: «يجب ألا يشكّ أحدٌ بالتزام الولايات المتحدة بالعدالة وحكم القانون... فليس لدينا رغبة في أن نكون (سجّاني) العالم... ونحن بلد قوانين ولا نتسامح مع أي أميركي يتورط في أعمال تعذيب»! وهي لغةٌ طالما سمعتها شعوب العالم الثالث من حكامها، ولم تصدق حرفاً واحداً منها، والآن تسمعها مع «زمرّدة» السياسة الأميركية!
الطريف انها في معرض رفضها إغلاق المعتقل قالت إنه «يوفّر للمحتجزين مكاناً يمارسون فيه شعائرهم الدينية ويأكلون طعامهم» وبالتالي لا مبرّر لإغلاقه. وهي نظريةٌ عجيبةٌ أرادت بها إقناع البريطانيين، أثناء زيارتها لمدينة بلاكبورن بانجلترة. ولكنها حين همت بدخول مدرسةٍ خلال جولتها بالمدينة، احتشد نحو 150 شخصاً للاحتجاج على زيارتها، وهتف بعضهم ضدها قائلاً: «كوندليزا... عودي إلى بلادك». لكن لحسن الحظ لم تسجّل الصحف البريطانية ظهور مقالات تدعو لاعتقالهم بحجة أنهم «أساؤوا للعلاقات التاريخية الحميمة بين بريطانيا وحليفتها الولايات المتحدة».
وفي المقابل، ألغيت زيارة مقررة لمسجد في المدينة بسبب مخاوف من حدوث احتجاجات، وأرجع البعض السبب لمخاوف أمنية، مع أنها -والحق يقال- أكثر شجاعةً من نائب الرئيس ديك تشيني الذي لا يسافر ولا يظهر ولا يشارك في مؤتمرات صحافية، دائما (منخش)، وإذا تشجّع (كلش كلش) فإنما يخرج في رحلات لصيد الطيور!
رايس تحدّثت أيضاً عن نشر الديمقراطية في الشرق الأوسط، فقالت إن سياسة بلادها في المنطقة على مدى 60 عاماً قامت على فكرة «شراء الاستقرار على حساب الديمقراطية»، إلا أن هذه السياسة تغيّرت الآن. واعتبرت أن «الأنظمة الاستبدادية في الشرق الأوسط أغلقت لعقود الآفاق السياسية في دولها». ووصفت ذلك بأنه «نزعة استبدادية عربية تثير حالاً من اليأس الشديد تغذي أيديولوجية الأحقاد».
الأميركيون يصحون اليوم على صوت اعترافات «زمرّدة» السياسة الخارجية الأميركية، يستمعون إليها وهي تملي شروط اللعبة السياسية الجديدة في الشرق الأوسط، وتوزّع وصاياها على العواصم العربية، معلنةً انتهاء وصاية «الحكام الذين عاملوا شعوبهم كالقطعان»، ودخول الحقبة الديمقراطية.
أما شعوب المنطقة، حقول التجارب الجديدة، فعليها أن ننتظر ستين عاماً أخرى، لتأتي زمرّدةٌ أخرى لتعلن ارتكاب ملايين الأخطاء الأخرى في حق «فئران التجارب» الجديدة
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1304 - السبت 01 أبريل 2006م الموافق 02 ربيع الاول 1427هـ