العدد 1304 - السبت 01 أبريل 2006م الموافق 02 ربيع الاول 1427هـ

شاي وزارة الخارجية الإيرانية

حسين راشد الصباغ comments [at] alwasatnews.com

في صباح 26 يناير/ كانون الثاني 2006 استمعت إلى إذاعة لندن كعادتي اليومية بعد الاستيقاظ المبكر. كانت مقابلة بين صفاء الصالح وست الشاي عواطف السودانية والتي كانت تقبع تحت شجرة ظليلة تقدم الشاي لزبائنها الكرام في الخرطوم. لأن لشاي عواطف هذه مذاق ونكهة لا يدانيها شاي آخر. وكلمة شاي هذه مشتقة من الأصل الصيني تاي ونسبة الكافيين في الشاي الأسود إلى 2 في المئة بينما في الشاي الأخضر الذي يعشقه الصينيون تصل إلى 5 في المئة. شاي الست عواطف هذه ذكرني بشاي وزارة الخارجية الإيرانية اللذيذ المذاق. وإنه بعد حوادث 4 نوفمبر/ تشرين الثاني 1979 من القرن العشرين، إذ تم احتجاز الرهائن الأميركان في السفارة الأميركية بطهران والتي تمت بعد استيلاء الطلبة الإيرانيين المتشددين والحرس الثوري وهي مؤسسة النظام السياسي الإيراني بعد استيلائهم على السفارة الأميركية واحتجاز دبلوماسييها الخمسين لمدة 444 يوم ورافقت هذا الحادث ظهور شعارات «الشيطان الأكبر»، نقرؤها على الجدران في طهران، وكذلك الموت لأميركا وبقيت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين مقطوعة حتى يومنا هذا. كنا نحن الدبلوماسيين نحرص على الذهاب إلى وزارة الخارجية الإيرانية لتسقط الأخبار بأن رهائن أكبر دولة على وجه البسيطة تتعرض لمثل هذه الإهانة الثقيلة. تقول إيران إنها تحارب قوى الاستكبار الأميركي والأوروبي ولاسيما الممارسات الشيطانية البريطانية ضد إيران، ويصفون بريطانيا مستنقع الفساد والثعلب العجوز. وأن الاستيلاء على السفارة يخالف بطبيعة الحال الأعراف الدبلوماسية المتعارف عليها. ونحن نتابع تطور هذا الحادث المهم كانت تسليتنا المفضلة هي تناول الشاي الأحمر أو الأسود الإيراني اللذيذ والذي نطلق عليه تسمية السنجين في الخليج ولا نكتفي باستكانة واحدة بل تعقبها أكواب أخرى متتالية، فهو لذيذ فعلاً. ونحن نذرع ممرات الوزارة الموقرة في خطوات بطيئة أمام مكاتب المسئولين الإيرانيين تلقينا البشرى العجيبة والمدهشة من أحد الدبلوماسيين الآسيويين الفضوليين. لقد أطل برأسه من الشباك والذي ينفتح على المنور الأرضي، فعاد ليقول لنا لقد شاهدت العجب العجاب بأم رأسي، هل تصدقون أن بقية الشاي في عشرات الأكواب تعاد مرة أخرى إلى أباريق الشاي الكبيرة الموضوعة على النار وتضاف إليها بعض أوراق الشاي الجديدة ثم تقدم إلينا كشاي طازج وليس بايتا كما اتضح لنا بعد ذلك؟ ولاحظت أن الإيرانيين في هذه الوزارة العتيدة يضعون في أفواههم القند أو مربعات السكر ثم يرشفون الشاي عليه. وأذكر أنه في عهد محمد علي رجائي أول رئيس جمهورية إيرانية واغتيل بعد ذلك. كانت المواد التموينية آنذاك شحيحة جداً والتي تتضمن الرز والعدس والشاي وخلت أرفف المحلات من السلع المهمة ونحن كدبلوماسيين كنا نجلب بعض هذه السلع من دولنا عن طريق مطار دبي، وسرت أرجوزة جميلة يرددها الإيرانيون وهي موجهة لرئيس الجمهورية تقول (رجائي رجائي نه قندي نه شاهي)، تبث شكوى الناس المريرة من انعدام الشاي والسكر التي تصلح المزاج ولا تستقيم الحياة اليومية من دونها. ولا أتصور أن أبدأ يومي في الصباح من دون أن أتناول على أقل تقدير كوبا من الشاي تعقبه أكواب أخرى خلال ساعات النهار.

وأذكر جيداً أن وزير الخارجية الإيرانية كمال خرازي كان بعد الثورة الإيرانية مديراً للإعلام، كان يدعونا بين فترة وأخرى ليعرض علينا أفلاماً يدور معظمها بشأن النظام الأميركي، الاضطهاد والسخرة ضد السود. وكنت قدمت أوراق اعتمادي في سبتمبر/ أيلول1979 كسفير للبحرين لدى إيران وبحضور إبراهيم يزدي وزير خارجية إيران. لاحظت هنا لا مراسم أو بروتوكول معقد كل شيء يتم ببساطة وشفافية متناهية على عكس ما كان يتم أيام شاه إيران محمد رضا بهلوي، وإن آية الله الإمام الخمينى قاد الثورة الإيرانية المظفرة ونجح في اعتلاء السلطة في فبراير/ اشباط 1979. وحاول القادة الجدد ابراز الشخصية الإسلامية لإيران الثورة، ثورة الملالي بعيداً عن فكرة الإمبراطورية الفارسية. إذا إيران تحت حكم رجال الدين، وتحققت بمشاركة من جماعة مهدي بازركان الليبرالية ومفكرين آخرين أمثال المير موسوي والذي أصبح أيضاً رئيس وزراء لإيران.

كاتب بحريني وسفير سابق

إقرأ أيضا لـ "حسين راشد الصباغ"

العدد 1304 - السبت 01 أبريل 2006م الموافق 02 ربيع الاول 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً