«يحز في نفسي أحياناً كأستاذة للقانون أن تتم الدعوة إلى هكذا مؤتمرات من جهات غير عربية، ولكن للأسف الدول العربية لم تتحرك على أي من الموضوعات التي تحركت عليها مبادرة الشراكة، وبما أن المبادرة تهدف أساساً إلى نشر الديمقراطية في المنطقة، فقد ركزت على المرأة على اعتبار أن منحها حقوقها هو أحد أهم المؤشرات للديمقراطية». هذا ما بدأت به مديرة المركز العربي الإقليمي لقوانين البيئة في دولة الكويت بدرية العوضي حديثها إلى «جهينة»، تعليقاً على مؤتمر «نجاح المرأة في صنع القرار» الذي استضافته مملكة البحرين الأسبوع الماضي، وحضرته مجموعة كبيرة من الشخصيات النسائية في 16 دولة عربية مشتركة في مبادرة الشراكة الأميركية الشرق أوسطية، مضيفة أن مجيء جهات غربية لمساعدة الدول العربية على مناقشة مشكلاتها أمر «لا ضير منه» في رأيها، إذ إنه مستحب في حال وجود جهات نسائية واعية ومدركة لما يتم التوجيه به من قبل هذه الجهات.
دعوة لمناقشة قضايا المرأة «عربياً»
وأشارت العوضي أيضاً إلى أن قوانين الأسرة بالذات والتي ترتبط أساساً بالشريعة الإسلامية هي التي أضافت حساسية أكبر على موضوع إقامة المؤتمرات من جهات خارجية، إذ برأيها فإن «كل ما يمس الدين والمرأة فيه بعض من الحساسية»، مضيفة أن «الأميركان لا يعرفون شيئاً عن موضوع الأحكام الأسرية في مجتمعاتنا». غير أن مجيء جهات خارجية لتنظم مؤتمراً يناقش هذه القضية مثلاً من وجهة نظر المشاركات العربيات، أمر يجب الاستفادة منه برأيها، وخصوصاً أنه لا توجد أي جهة عربية تبنت هذا التوجه. وتمنت العوضي لو أن المبادرة جاءت من مجلس التعاون الخليجي، أو من الأمانة العامة لجامعة الدول العربية أو وزراء العدل العرب لمناقشة القانون بشكل جماعي، وخصوصاً مع وجود القانون الخليجي الموحد للأحوال الشخصية، علاوة على القانون العربي الموحد للأحوال الشخصية، الذي عملت على إصداره الجامعة العربية في العام 1998. وأضافت «نحن لسنا محتاجين إلى إحدى الدول الأجنبية لكي تخبرنا ما هو الصحيح في مجتمعاتنا». وبرأيها، يمكن لهذا الاجتماع لو حصل أن يتوصل إلى مبادئ عامة تنقل التصور الشامل للقانون في جميع الدول العربية أو الخليجية، ثم يستشار الخبراء القانونيون في كل دولة على حدة ليعالج خصوصية تلك الدولة في القانون، وهو أمر بالغ الأهمية وخصوصاً في الدول التي ليس لديها قانون لأحكام الأسرة بعد. وتساءلت العوضي أيضاً عن السبب في التركيز على قانون الأحوال الشخصية باعتباره شأناً «نسائياً» فيما توجد قوانين كثيرة تمس المرأة بشكل مباشر منها على سبيل المثال القانون الجنائي، وقوانين العمل.
«الأحوال الشخصية» الكويتي تقليدي لكنه يراعي الوحدة الوطنية
ونقلت العوضي معلومة مهمة عن قانون الأحوال الشخصية في الكويت، إذ أوضحت أن القانون المنصوص منذ العام 1984 لا يطبق على الشيعة في الكويت، فعلى رغم أنهم شاركوا في وضع القانون، فإنه لا يطبق عليهم، ويخضعون لقوانينهم الخاصة. وتتمنى العوضي أن يصدر قانون موحد للأحوال الشخصية في الكويت، وفي البحرين معاً أسوة بالعراق مثلاً، مع مراعاة الخصوصية المذهبية. وفي دراسة أعدتها العوضي عن الفروقات بين المذهبين في قانون الأحوال الشخصية، وجدت أن «لا اختلاف كبيراً وواضحاً من الناحية القانونية بين المذهبين»، ويمكن التغلب على هذا الاختلاف برأيها تمثلاً بالتجربة العمانية، التي تطبق قانوناً موحداً على المواطنين جميعاً على رغم الاختلاف المذهبي، مع وضعه مادة في نهاية القانون العماني تنص على أنه إذا كان مذهب المواطن ينص على أمر يعتبر في صالح «الأسرة» بشكل أكبر من القانون، فيؤخذ به، وهي مادة اعتبرتها «حلاً عمانياً حكيماً»، راعى الأسرة أولاً، إلى جانب وحدة القانون. وترى العوضي أنه من الخطورة بمكان وضع قوانين مختلفة لأحكام الأسرة في البلد الواحد، أن هذه القوانين تطبق على نساء يعشن في مجتمع واحد، ما يعد مجلبة لكثير من المشكلات الاجتماعية برأيها. ووصفت العوضي قانون أحكام الأسرة الكويتي بأنه «تقليدي ونظري» إلى حد بعيد، إلا أنه أخذ أحكامه من جميع المذاهب، ولذلك اعتبرته قانوناً جيداً لأنه حافظ على الوحدة الوطنية في الكويت، وخصوصاً مع اختلاف مذاهب السنة الأربعة، والمذهب الجعفري أيضاً «صيغ قانون الأحوال الشخصية الكويتي على المذهب المالكي الذي تتبعه العائلة الحاكمة في الكويت». وتعتقد العوضي كقانونية أن القانون الكويتي بحاجة إلى بعض التعديلات. إلا أن المطالبات بالتعديلات غير مطروحة بقوة حالياً في الكويت بحسب قولها وربما يعود ذلك إلى أن جميع النواب في مجلس الأمة الكويتي هم من «الرجال»، وبعفوية تقول «ربما لو دخلت المرأة الكويتية هذه المرة في انتخابات 2007 إلى مجلس الأمة، سيطرح هذا الموضوع بقوة».
الشعب البحريني «عقلاني» وقد يقر قانوناً موحداً للأسرة
تعليقاً على أزمة قانون أحكام الأسرة في البحرين، تمنت العوضي أن يطبق قانون لأحكام الأسرة «موحداً للمذهبين»، فهي ترى أن الشعب البحريني شعب مسالم وعقلاني فلابد أن يحكم عقله في هذه المسألة في النهاية. وأشارت إلى أن القانون يمكن تعديله في المستقبل عبر المؤسسة التشريعية التي يمثلها البرلمان. وعندما شرحنا للعوضي مقتطفات من أسباب الأزمة التي وصل إليها القانون في البحرين، والمطالبات بوضع ضمانات دستورية للقانون، ابتدرتنا بالقول إن المادة الموجودة في الدستور البحريني والتي تنص على أن «الشريعة الإسلامية هي مصدر رئيسي للتشريع، وأن دين الدولة الإسلام» هي ضمانة «حقيقية وقانونية» برأيها، ولا يمكن أن تسمح بتغيير القانون بشكل يخالف الشريعة في المستقبل. مشيرة أن صدور قانون «مخالف» للشريعة الإسلامية هو أمر غير دستوري أصلاً، وهذه برأيها «أكبر ضمانة للقانون». ويمكن الاستفادة من الممارسة الديمقراطية في هذا الصدد بحسب العوضي، إذ لو طرح بعد إقرار القانون مشروع بتغييره أو تعديل أحد بنوده، فيمكن لعدد من النواب في البرلمان الإطاحة بالمشروع ووقفه بعمل «لوبي» ضد المادة التي يراد تغييرها والتي لا يوافق عليها علماء الدين.
وللتخلص من هذه المشكلة دعت العوضي إلى شرح هذه الوسائل القانونية لرجال الدين في البحرين حتى يتفهموا موضوع وآلية طرح القانون قبل رفضه، إذ إن الإجراءات القانونية والدستورية في طرح القانون «لا خوف منها في مسألة التغيير»، مؤكدة أنه «ربما كان تخوف رجال الدين في محله، إلا أن الضمانات الدستورية الموجودة حالياً كافية، وهذه هي وجهة النظر القانونية».
يجب أن تمارس الاتحادات النسائية السياسة
ورداً على سؤال «جهينة» عن عمل الاتحادات النسائية في السياسة قالت العوضي إن قانون جمعيات النفع العام في غالبية الدول العربية يمنعها من العمل السياسي، وهذا برأيها «خطأ كبير»، إذ لا يمكن أن يحصر العمل النسائي في جهات دون أخرى، إذ كيف تمنع المرأة من العمل السياسي وهي جزء مهم في المجتمع، وأي قرار سياسي يؤثر بشكل مباشر في حقوقها، ومواطنتها، والقوانين المنظمة لحياتها؟ واعتبرت العوضي شرط «عدم العمل السياسي» خطراً، لأن ذلك يعني أن تربط الاتحادات النسائية أو المجالس العليا للنساء بالدولة، وهو أمر يفقدها استقلاليتها، إذ إن منظمات المجتمع المدني هي قوة ضاغطة على الدولة، وبالتالي يجب أن تكون مستقلة عن نفوذ الدولة، فإن لم تكن فقد أصبحت جهة مساندة للسياسات التي تضعها الدولة، وبالتالي أصبحت مؤسسات رسمية غير ذات ضغط، وهو أمر ذو خطورة كبيرة لأنه ينتشر في البلدان العربية كافة. وذكرت العوضي أنه حتى لو وجدت وزارات متخصصة بالمرأة في هذه الدول «وهو أمر تعتبره جيداً»، فيجب - من وجهة نظرها - أن تكون هناك جهات محايدة ومدنية ذات توجه مختلف، وغالباً ما تعارض تلك الجهات المدنية الجهات الرسمية أو تنتقدها بموضوعية من أجل إرساء قواعد المجتمع الديمقراطي الذي من أهم ممارساته الانتقاد وتصحيح السياسات الخاطئة.
تعمل العوضي حالياً مديرة للمركز العربي الإقليمي لقوانين البيئة في دولة الكويت، وقد سبق أن عملت محاضرة في القانون الدولي في جامعة الكويت في الفترة من 1975 وحتى 1985، وعميدة لكلية الحقوق والشريعة من العام 1979 وحتى 1982، ومستشارة قانونية في المنظمة الإقليمية لحماية البيئة البحرية (EMPOR). كما عملت محامية مستقلة منذ العام 1994. ونالت العوضي جائزة برنامج الأمم المتحدة للبيئة في العام 1988، وجائزة زايد الدولية للبيئة العام 2004. وهي عضو في الكثير من المنظمات الدولية بما في ذلك الشبكة القانونية الدولية للمرأة العربية، مركز التحكيم التجاري لدول الخليج، الاتحاد العربي للتحكيم الدولي، لجنة الاتحاد العالمي لخبراء تطبيق اتفاق وتوصيات منظمة العمل الدولية (OLI)، ورئيسة مفوضية غرب آسيا لقانون البيئة
العدد 1304 - السبت 01 أبريل 2006م الموافق 02 ربيع الاول 1427هـ