يجمع عدد من الناشطين على أن المصالح الوطنية والاستقرار الأمني والسياسي يلزم أن تسهم في معالجة ملفات الأخطاء السابقة في فترة «أمن الدولة»، وبحسب المتابعين، لن يكون هناك تفكير في وضع تعويضات أو حلول لأي ملف، ما لم تقم المؤسسة الرسمية بمبادرة جريئة لطي ملف ضحايا التعذيب وتعويضهم.
ويؤكد حقوقيون وناشطون سياسيون على ضرورة اعتراف المؤسسة الرسمية بفترة أمن الدولة وأخطائها، ويرون انه لا بد أن تتبنى المؤسسة الرسمية مبادرة لوضع حلول لملف ضحايا التعذيب من خلال تشكيل هيئة تعطى الصلاحيات وأن تكون مقررة، ومعترفاً بها رسمياً. وفيما يأتي نقرأ الاستطلاع التالي مع عدة من الحقوقيين والناشطين السياسيين، ويمكن قراءة المزيد من الآراء حول هذا الموضوع:
الاستعانة بالمعايير الدولية الحقوقية
يرى نائب رئيس جمعية حقوق الإنسان سلمان كمال الدين أن أنجع استراتيجية لتسريع طي تعويضات ضحايا التعذيب «تتمثل في حصر الضحايا والاعتراف بشجاعة المصلحين بحقهم والبدء فوراً بعلاجهم الجسدي والنفسي سواءً في الداخل أو الخارج والاستعانة بالمعايير الدولية الحقوقية للتعويض المادي وإعادتهم إلى وظائفهم وتحويل العاجزين منهم لمنظومة التقاعد والتأمينات. كما أن الاعتراف بالمسئولية القانونية والأخلاقية والمادية ضرورية لطي هذه الصفحة المؤلمة، ويجب أن لا نفضل ضرورة النأي بهذا الملف للمتاجرة والمزايدة السياسية وتأكيد البعد الإنساني لهذا الملف، إذ إن آلامهم وأوجاعهم أسمى وأكبر من أن تجبر لمصلحة حزبية أو مذهبية أو سياسية».
ويقول كمال الدين «ويجب أن لا يقتصر الحراك بالمطالبة لطي هذا الملف على المؤسسات الحقوقية المعترف بها، بل يجب أن تتضافر الجهود الجماعية وتفعيل المطالبات بكل الوسائل والطرق المتاحة، ولا بد من التذكير بأن أي ملف تتناوله جهات لأغراض خاصة وأجندات خفية وخصوصاً مثل هذا الملف الإنساني الخطير فلن تنجزه لصالح ضحايا التعذيب، وإنما الضحايا هم الشماعة والبيرق الذي يحمله أصحاب هذه الأجندات».
ويواصل حديثه «علينا اختيار الأطراف النبيلة والنزيهة في تسلم هذه الملفات وعلينا معاونتها بتوفير كل المعلومات والتسهيلات ومراقبة أداء هذه الجهات الحقوقية حتى الانتصاف لهذه الفئة التي يجب أن تتوقف معاناتها وعذاباتها فلا مجال للشعارات والمزايدات، بل بالعمل الحقوقي الإنساني».
ويؤكد كمال الدين «أنه لا بد للضحايا من التحرر من سلطة الوصاية والتوجه بكل شجاعة للقنوات التي آلت على نفسها أن تنتصف لهم من دون النظر لأي توصيف يميز بين هذا وذاك فالظلم والعدوان واحد، ومعيار الضحية واحد، والحق ووجوب الدفاع عنه واحد»، متمنياً «أن لا نترك الشارع هو محرك الملفات وخصوصاً بمثل خطورة وأهمية هذا الملف، ولا بأس من الاستعانة به برشاد التوجيه، وحكمة الاختيار سواء بالنسبة إلى الزمان أو الموقع والمكان، وهي قضية همها وتداعياتها تعني الجميع، وسمّوها مسئولية الضمير الجماعي، ولكن علينا حسن تدبير الأداء، وترشيد المطالبة والخطاب، والارتقاء بنبل هذه المهمة وقدرنا شئنا أو أبينا أن نتكاتف ونتعاون من أجل العدالة والحق بصدق المطالب الشجاع، وبصبر المحارب في الصعاب، وأناة القائد في الملمات».
ويؤكد عضو شورى الوفاق محمد جميل الجمري «أنه لابد مبدئياً أن تكوّن لجنة من قبل المتضررين من (أمن الدولة) مستقلة وألا تكون حكومية، وممثلة من هم أنفسهم ولا مانع أن يكونوا من الحقبة الزمنية نفسها أو بعدها، ولا أن نحدد فقط المتضرين بل لتشمل التعويضات للكل، ويجب أن تنظر إلى كل الحالات، وبعدها لا بد من توفير العلاج والتأهيل لكل الحالات ولمن لم تعد أموره إلى طبيعتها وأن يحصلوا على تعويض مكافئ لما تضرروا منه».
ويشير الجمري «أن هذه الحالات إذا درست، فلا بد أن تشكل لجنة حكومية تتعامل مع لجنة الضحايا، ولا بد أن تكون هذه الجهة الحكومية لها الصلاحيات في التعامل مع هذا الملف وأن تعطى الضوء الأخضر للوصول إلى حلول ناجعة».
معبراً الجمري «أنا أعتقد أن البحرين لا يجب أن تظل بها مثل هذه الملفات عالقة، والناس الذين تضرروا في تلك الحقبة وما قبلها وما عانوا به من آلام فإنها تركت بصمات دائمة ولا يمكن أن تتجاهل إلى فترة أطول».
دعوات إلى الاعتراف بملفات ضحايا التعذيب
فيما يدعو عضو دائرة الحريات بجمعية الوفاق الوطني الإسلامية جلال فيروز إلى الاعتراف أولاً بهذه الملفات وإنه يجب تعويضها إذ يقول «في البداية لا بد أن يقتنع كل الأطراف بهذه الملفات، وما لم يكن هناك اعتراف في الواقع الذي جرى والآلام التي تجرعها مجموعة كبيرة من المواطنين، وبكونها بمثابة جروح مفتوحة، ما لم يكن ذلك لن نستطيع الولوج إلى العتبة الأولى إلى أي حل، بعد ذلك تأتي القناعة بضرورة فتح أبواب الحوار بين الجهات الرسمية وبين المجموعات التي تمثل ضحايا هذه الملفات، وعبر هذا الحوار غير المشروط يمكن بلورة نقاط عامة واستكشاف المساحات المشتركة بين الطرفين ليكون ذلك مدخلاً على وضع رؤية عملية وخطوات ملموسة لحل هذه الملفات.
ويعبر فيروز «ولسنا بدعاً من الأمم فهناك بلدان سبقتنا وسلكت تجارباً ناجحة انعكست إيجابياً على سمعة واستقرار البلد، وأدت إلى تأهيل المتضررين وانخراطهم في عجلة التنمية».
لم نر أي اعتراف من المؤسسة الرسمية
ويشير جلال فيروز «إلى هذا الوقت لم نر أي اعتراف من قبل المؤسسة الرسمية، وانها لا تريد أن تعترف بالأخطاء التي وقعت في الماضي وهذا بحد ذاته مورد للإحباط ومصدر مقلق لأي باب يناشد من ورائه حل هذه الملفات».
ويرى فيروز «أن الخطوة الأولى لا بد أن تأتي من مبادرة من القيادة السياسية في البلاد، وأن تكون مبادرة جريئة لتدشين فترة إصلاح ما أفسدته فترة أمن الدولة، ثم تدعى الفعاليات الحقوقية والجهات المعنية بهذه الملفات إلى اجتماعات أولية، ومن خلال هذه الاجتماعات تتبلور مفاتيح لعلاج هذه الإشكالات، ونرى أنه في كل الأحوال لا يمكن تجاوز أصحاب الحق وهم المتضررون من جراء التعديات والتجاوزات».
التصعيدات الأمنية والسياسية
ويواصل فيروز حديثه «نرى أولاً أنه من المهم أن لا نخلط الأوراق من أية جهة كانت، وثانياً المسائل الحقوقية يجب أن تبعد عن التصعيدات الأمنية والسياسية من أي طرف كان، ولكننا متيقنون أنه بدت في الأفق وجوه عدة لحل هذه الأزمات فمن الجهة الأولى ستقلل حدة الاحباطات التي يعاني منها قطاع مهمش من المواطنين، ومن الجهة الأخرى ستسحب البساط من تحت أرجل من يحاول أن يتصيد في الماء العكر في مناحٍ سياسية أو أمنية».
ويؤكد فيروز «أنه ومع استمرار تجاهل هذه الجروح الغائرة، وعدم المبادرة لحلها فلا شك أن ذلك يبعث شذرات هنا وهناك قد ينخرط فيها بعض الغافلين وتكون النتيجة مزيداً من التصعيد الأمني الضار بسمعة البلد».
وعمّا إذا كانت هناك بوادر لحل هذه الملفات توصلت إليها الجمعية، يقول جلال فيروز: «نعم هناك مبادرات فردية من أطراف غير رسمية وفي بعض الأحيان أطراف رسمية ولكنها كانت مبادرات خجولة، وتتضمن شروطاً مسبقة، مثل أن يكون التعويض مقايضاً بإسقاط الحق العام عن معاقبة الذين ارتكبوا جرائم التعذيب ولأولياء الذمم والمتضررين في حق الناس عامة في منع تكرار من تسول له نفسه إعادة الكرة في جر الساحة إلى التعذيب والقتل خارج إطار القانون».
وضع حلول لتعويضات ضحايا التعذيب
ومن جهته، يعول الناطق الإعلامي بجمعية العمل الوطني الديمقراطي رضي الموسوي على أنه لا بد من وضع حلول جدية من المؤسسة الرسمية إذ يقول: «أولاً إن هذا الملف لا يمكن أن تستقيم معه المصالحة الوطنية في البلاد إلا بعد أن توضع له حلول جدية تنصف ضحايا التعذيب، ونغلق هذا الملف لنتفرغ إلى العمل من أجل إحلال إصلاح حقيقي وتعزيز موضوع الانفراج الأمني والسياسي الذي بدأ مع مطلع العام 2001».
ويعتقد الموسوي «أن الآلية الأكثر عملية في مسألة ضحايا التعذيب هي تشكيل لجنة تدخل فيها الجهات الرسمية ممثلة في: الديوان الملكي، وزارة الصحة، غرفة تجارة وصناعة البحرين والجمعيات الحقوقية مثل: جمعية المحامين، الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان، مركز البحرين لحقوق الإنسان، لجنة ضحايا التعذيب، لجنة العائدين إلى الوطن والهيئات ذات الصلة، وأعتقد أن المهمة الأساسية لهذه اللجنة هي أن تضع تقريراً متكاملاً يحتوي على رصد موضوعي لعدد ضحايا التعذيب وحالاتهم الاجتماعية والاقتصادية والنفسية والصحية إلخ...، وذلك من أجل جبر الضرر الذي وقع عليهم خلال السنوات الماضية، ويجب أن تعطى لهذه اللجنة صلاحيات، وأن تكون مقررة، وأن تخضع تقريرها إلى الفحص والتقييم بما يضع حلولاً إلى مسألة الضحايا».
وعما إذا كانت هناك آلية أكثر لتسريع عملية التعويض يوضح الموسوي «إن هذه اللجنة يشترط أن يكون من ضمنها الديوان الملكي لاعتباره الرأس الأكبر، وأن تكون قرارات هذه الهيئة نافذة على طريقة هيئة الإنصاف والمصالحة في المغرب والتي أعطيت صلاحيات واسعة وكانت مقررة ودعمها ملك المغرب بشكل كبير، إذ تمكنت من معالجة أكثر من 19 ألف ملف من أصل 27 ألف ملف لضحايا التعذيب واستقبل ملك المغرب الهيئة والعشرات من ضحايا التعذيب في قصره، بمعنى أن الدولة المغربية اعترفت أن هناك خطأ حدث خارج إطار القانون، فلذلك يجب أن تعالج ملفاتهم بموضوعية شديدة»
العدد 1304 - السبت 01 أبريل 2006م الموافق 02 ربيع الاول 1427هـ