العدد 1303 - الجمعة 31 مارس 2006م الموافق 01 ربيع الاول 1427هـ

يسألونك عن العقل...

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com

هل هو «خاتم الأنبياء» بعد انقطاع الوحي عن البشرية اثر رحيل خاتم الانبياء عن هذه الدنيا قبل نحو 1400 عام مع افتراض وصول البشر إلى الرشد الكافي الذي يؤهلهم لاستخدام عقولهم لإدارة شئون ديناهم من دون الحاجة إلى استمرار نزول الوحي وتدفق الرسل؟

لكنه ومع ذلك كله هو أهم ما نفتقر إليه ونعتقده اليوم في إدارة شئون بلادنا العامة في عالمنا العربي والإسلامي في وقت يتظاهر فيه الزمان علينا وتشتد الفتن بنا وتحاصرنا التحديات من كل جانب.

وهو الغائب الأكبر في المشهد الدولي العام أيضاً سواء في عملية صناعة القرارات ولاسيما فيما يتعلق بقضايا بلدان العالم الثالث ولاسيما بلداننا العربية والإسلامية، أو في مسار العلاقات العامة بين الدول والأمم وصناعة القرارات الدولية على وجه العموم.

وعن طأة هذا الغياب شبه الكامل للعقل وتضاؤل الاستخدام العملي له تكاد «المصالح الوطنية» العليا للدول والاقطار والبلدان تصبح «بضاعة» يتم المساومة عليها في بازار المزادات العلنية أثناء خوض الصراعات والسجالات المحتدمة بين بعض المعارضة هنا أو هناك مع بعض الحكوميات والسلطات هنا أو هناك، لا بل إنها باتت تقدم قرباناً مجانياً للطامعين والتواقين لزيادة النفوذ والهيمنة في بعض الحالات من أجل الاستئثار بمصلحة فردية أو فئوية أو طائفية هنا أو هناك على حساب مصلحة الأوطان العامة.

فماذا يعني مثلاً استمرار التخاصم والقطيعة والأهم من ذلك عدم التواصل العملي البناء بين قوى «السلطة» القديمة وقواها الجديدة في فلسطين وبقاء مستقبل اخطر قضية وأهمها في بلاد العرب والمسلمين برسم المجهول وعدم اغتنام الفرصة الذهبية في المعادلة الدولية الراهنة غير غياب العقل وطغيان الاحساس و«العاطفة» والفئوية والانانيات القاتلة للفرص والأوطان؟

أو ماذا تسمي ذلك البازار المفتوح للبيع المجاني للمصلحة الوطنية العليا في العراق الذبيح والجريح المستنزف والذي تتدخل فيه كل قوى العالم عدا الشعب العراقي صاحب المصلحة الأولى غير غياب العقل وطغيان مقولات الاستئثار والانقطاع المؤقت ببعض فتات ما خلفته قوى الطغيان والغلبة السابقة أو قوى الهيمنة والاستحواذ الامبراطوري الجديدة؟

ثم أين هو صوت العقل في السودان الذي كان يوماً سلة أرزاق العالم العربي والإسلامي بينما تحول اليوم إلى مزاد علني لأشكال التدخل الخارجي من أجل تقاسم ثرواته وتمزيقه وإخراجه نهائياً من دائرة صناعة القرار العربي والإسلامي؟

أو أين هي الحكمة والتدبير اللازمين للخروج من المحنة التي ابتلي بها لبنان فيما نراه من تسابق بين بعض الفئات للاستقواء بهذه العاصمة أو تلك من أجل قلب توازنات التوافق الوطنية الداخلية الممانعة التي كانت حتى الأمس القريب هي الحاضنة الطبيعية لاستمرار استقلال لبنان وسيادته وعزته وحريته؟

وعشرات الأمثلة الأخرى التي يمكن أن نسرد تفاصيل مسار غياب العقل مقابل طغيان الاحساس والعواطف والانانيات أثناء معالجة قضايا الوطن والمصالح العليا من سورية إلى إيران إلى باكستان وإلى كل نقطة تقابل داخلية أو خارجية على امتداد الوطن الإسلامي الكبير من طنجة إلى جاكرتا.

ثم ماذا دهى العالم؟ وأين ذهبت قواه الحية والفاعلة؟ وكيف طارت «عقوله» هكذا مرة واحدة تاركة ميدان الصراع بين استقطابين متطرفين يريد كل منهما استئصال الآخر بحجة امتلاكه الحقيقة المطلقة و«التفويض الإلهي» لطرد أو لتكفير من عداه فيما نراهم يحولون العالم الذي يفترض به ان يكون موئل تعايش الجميع إلى جهنم غير قابلة للسكن ولا تحمل إلا مزيداً من الآلام والمعاناة؟

أين هو صوت العقل الذي يجب أن ينطلق من الشرق كما من الغرب ليوقف طغيان شهوة القتل والعدوان والتدمير واستنزاف الموارد والطاقات والعقول البشرية فقط وفقط من أجل تلبية اطماع وانانيات وشهوات قلة قليلة تريد الاستئثار بكل شيء من أجل زيادة مناطق نفوذها أو توسيع امبراطوريتها أو ذلك الوجه الآخر للعملة من جيش الفئات التكفيرية التي تريد طرد كل اشكال وأنواع استخدام العقل من أجل اشباع شهوة الاستئثار بامتلاك «الحق» والحقيقة؟

أين هو صوت العقل عندما يصر البعض في مسرح العلاقات الدولية على أنه هو المعيار الوحيد المقبول للدول والاوطان في اختيار منهج الحكم أو النهج المعارض المناسب لإدارة شئون البلاد والعباد بحجة أن ما أوصل إليه من خبرة وتجارب هو «نهاية التاريخ»؟! إلا يعني هذا الاهانة للذات الإنسانية التوافقة للسمو والكمال والقادرة على اجتراح الحلول والمناهج المتناسبة مع ظروف الزمان والمكان وخصوصية الأمم والشعوب؟!

لماذا هذا الاصرار على قتل روح الابداع والمبادرة لدى تلك الفئة القليلة ممن تتحكم باحتكار الحراك الدولي والإقليمي والمحلي فقط وفقط لأنها تملك اليوم مؤهلات القوة المادية العالية من وسائل قمع عسكرية أو أمنية أو وسائل قمع إعلامية أو معرفية أو علمية؟!

هل ينبغي أن نتجاهل الحاجة الماسة إلى إعمال العقل في السياسات العامة وصناعة القرارات في أوطاننا وعلى مستوى العلاقات الدولية فقط وفقط لأننا نمتلك مفاتيح القوة الميدانية وإمكانات اطلاق مزيد من الفضائيات ووسائل التأثير على الرأي العام؟

ألا يخاف من اليوم القريب الآتي الذي إذا ما حان حلوله سيطيح بكل إنجازات الإنسانية بسبب تغييبنا الكامل للعقل، ما قد يفتح المجال لاطلاق كل اشكال الغرائزية القاتلة؟!

ليس هناك ثمة ثابت في كل معادلات السياسة والاقتصاد والعسكر وكل ما هو من صنع الإنسان، وكل شيء مهما بدا قوياً ومتيناً ومستقراً إنما هو متغير ومتحول ومتبدل من حال إلى حال، ولا يظنن أحد مهما بلغت قوته وبلغ جبروته أنه قادر أن يبقي معادلة سلطته وتسلطه دائمة إلى ما لا نهاية، أليس من الأفضل إذاً الحساب للبعيد واستشراف مستقبل يوم يطفح فيه الكيل مع تلك الجماهير والشعوب المهمشة فتقوم بحرق الأخضر واليابس؟!

ألا من عاقل يتدارك هذه المسيرة المتراجعة للعقل والعقلانية في إدارة شئون البلاد والعباد ويوقف هذا الزحف الجنوني للغريزة والشهوانية وعبادة الأنا الشخصية والحزبية والفئوية والطائفية والمذهبية والدينية والاستعمارية؟

لا تتوقعوا حصول «معجزة إلهية» فزمن المعاجز الالهية كما كان معروفاً أيام الرسل والانبياء قد توقف مع انقطاع الوحي عن الناس كما اسلفنا؟ فهل من عودة للعقل الذي تركته الرسالات السماوية أمانة عندنا لانقاذ ما تبقى من فرص، أم أن العالم متروك لجنون الشهوة بلا حدود؟ سؤال برسم من يعقلون!

رئيس منتدى الحوار العربي الايراني

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 1303 - الجمعة 31 مارس 2006م الموافق 01 ربيع الاول 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً