العدد 1303 - الجمعة 31 مارس 2006م الموافق 01 ربيع الاول 1427هـ

العهدة الخارجية أرق السوق الأميركية

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

لا تستند مخاوف الأميركان من لجوء الشركات الأميركية إلى تعهيد (Outsourcing) بعض الأعمال إلى شركات أو أفراد في دول أجنبية مثل الصين أو الهند أو حتى فيتنام بسبب رخص اليد العاملة فيها إلى أية دراسات أو مسوحات علمية. واقع الأمر يخالف ذلك، إذ تشير الدراسات إلى أن عدد الوظائف التي يمكن أن تستحدث يفوق تلك التي تخسر من جراء عملية العهدة الخارجية. وتفسير ذلك أن شركات تقنيات المعلومات والاتصالات بوسعها أن تطبق تلك التقنيات بشكل خلاق أو مبدع في حقول كثيرة بما فيها الصناعات الحيوية، والبيولوجية بل وحتى الأعمال التقليدية.

لكن المشكلة الحقيقية كما تشخصها دراسة قامت بها جمعية آلات الحوسبة (Association For Computing Machinery) الأميركية هي الانطباع السائد بأن تعهيد أشغال ذات علاقة بتقنية المعلومات إلى شركات خارجية أو بلدان أجنبية تؤدي إلى فقدان الأميركان لفرص الحصول على وظيفة، وهي بالتالي تساهم في تفشي البطالة في السوق الأميركية أو تساعد على ارتفاع معدلاتها.

هذا الانطباع الخاطئ يقود، وكما تقول الدراسة، إلى دفع الكثير من الطلاب الأميركان إلى تحاشي دراسة علوم الكمبيوتر، وعوضاً عن ذلك التوجه نحو تخصصات من شأنها أن تضمن لهم وظائف في قطاعات أخرى وخصوصاً الوظائف الحكومية. وبشأن هذا الموضوع يقول موشي فاردي وهو نائب رئيس فريق الدراسة وعالم كمبيوتر في جامعة رايس في هيوستن «لقد أصبحت المنافسة في سوق تقنيات المعلومات أشد وأكثر شراسة، لكن ذلك لا يعني إطلاقاً القول بأن وظائف تقنيات المعلومات آخذة في الاضمحلال أوالتلاشي. إن القبول بذلك هو ضرب من الهراء غير المنطقي، وأمر لا يمكن القبول به في مجتمع صناعي متقدم يتوجه نحو الاقتصاد ما بعد الصناعي كالاقتصاد الأميركي».

لكن ما لا يمكن تجاوزه هو أن حركة تعهيد الوظائف المحوسبة في السوق الأميركية نحو دول أجنبية باتت مشكلة وتحدياً اقتصاديين وهو أمر لا يمكن تجاوزه أو التغاضي عنه في المجتمع الأميركي. لكن ما تحاول تلك الدراسة قوله إن شيئا من المبالغة والتهويل يكتنف المسألة.

ويربط البعض بين هذا الكابوس النفسي الجاثم على صدور الشباب الأميركي وبين مشكلة المهاجرين المكسيكيين التي أثيرت حديثاً، على رغم الاختلافات الواضحة للعيان بين القضيتين. بل إن بعض الكتابات تشير إلى أن الإدارة الأميركية تبحث عن كبش محرقة تقدمه لامتصاص النقمة في صفوف حملة شهادات علوم الكمبيوتر الباحثين عن عمل في السوق الأميركية. وهي لم تجد أفضل من قضية العمال المهاجرين المكسيكيين للبدء بها.

المسألة ليست بالسوء الذي تبدو عليه

تخلص الدراسة إلى أن هناك نسبة عالية من المبالغة عند الحديث عن تعهيد وظائف تتطلب مهارات تقنية عالية وبمرتبات منخفضة نسبياً مصدرها نظام تعليمي قوي ومتطور كتلك المتوافرة في الهند والصين. وترجع الدراسة هذه الحالة من المبالغة إلى أسباب سياسية من جهة، وإلى اقتصادية من جهة أخرى، كالخوف من استحواذ الصين أو الصين والهند - إذا ما قام أي شكل من أشكال التنسيق السيسو - اقتصادي بينهما - على حصة لا تريد الولايات المتحدة أو ربما الغرب أيضا القبول بها. ولكي تخفف الدراسة من هستيريا الخوف، أكدت بالأرقام أن نسبة الوظائف التي ستخسرها السوق الأميركية لصالح الدول التي سيتم اختيارها للتعهيد لن تتجاوز ما بين 2 - 3 في المئة خلال سنوات العقد المقبل. الأهم من ذلك كله هو أن الدراسة تؤكد أن المزيد من الوظائف سيتم تخليقها إذا حافظ الاقتصاد الأميركي على عافيته، وواصلت الصناعة الأميركية تقدمها على سلم التطور الاقتصادي المرجو من خلال التركيز على وظائف ذات قيمة إضافية أعلى (Higher-Value Work). وفي هذا المجال تتجه الأنظار نحو مجموعة من الصناعات، من بين أهمها الصناعة المتحركة (Mobile Industry) وهي الصناعة القائمة على تقنيات المعلومات ذات العلاقة بالاتصالات اللاسلكية، والتي تشهد ازدهاراً منقطع النظير في الاقتصاد الأميركي، والتي من أهمها تقنيات الواي ماكس ) )طى حفٍّوالتي يتوقع لها الكثير من الاقتصاديين أن تستحدث أعمالاً، ناهيك عن وظائف غير محدودة خلال السنوات الـ 10 المقبلة.

اللامبالاة غير المبررة

ومن الحقائق المخيفة التي تؤرق رجال الصناعة الأميركيين الذين يقفون ضد عزوف نسبة عالية من الطلبة عن الانتساب إلى كليات علوم الحاسوب. فبحسب أرقام الدراسة فإن نسب الطلاب المنتسبين إلى كليات علوم الكمبيوتر في تراجع مستمر منذ مطلع هذا القرن، وهذا يعني أن الطلبة المتفوقين والعقول الواعدة ينتسبون إلى كليات أخرى غير كليات علوم الكمبيوتر، متوهمين أنها توفر لهم فرص عمل أفضل وأكثر ضمانة من تلك التي تؤمنها كليات علوم الكمبيوتر، وهذا بدوره ينعكس سلبا على اقتصاد يطمح أن تكون له الريادة العالمية في صناعة تقنيات الاتصالات والمعلومات، يمكن القبول به في مجتمع صناعي متقدم يتوجه نحو الاقتصاد ما بعد الصناعي كالاقتصاد الأميركي.

الحل بيد النظام التعليمي

وتتناول الدراسة مشروعات الدولة في مجالات إعادة التأهيل التي ترى عدم جدواها نظراً لكونها محصورة في النطاق الصناعي التقليدي غير القادر على توليد قيمة مضافة. وهذا ما يجعل شخصا مثل فريدي يقول: ربما يكون مثل هذه البرامج التأهيلية مفيدة للاقتصاد لكنها من دون شك غير ملبية لطموحات الجيل الجديد من الخريجين إن كانت لا تضمن لهم الوظيفة التي يبحثون عنها، وهذا بدوره يضع أمام النظام التعليمي والتأهيلي الأميركيين تحديات من نمط جديد إن جاز القول.

العولمة سلاح ذو حدين

عندما روجت الولايات المتحدة لعولمة الاقتصاد الدولي، كانت الظروف حينها مختلفة بعض الشيء، فالاقتصاد الأميركي كان حينها خرج من دورة الركود التي ألمت به من جراء الحرب الفيتنامية، فكان يبحث عن أسواق جديدة وفرص استثمارات خارجية لم تكن السوق المحلية الأميركية وحدها قادرة على توفيرها في ذلك الوقت.

أما اليوم، فلم تعد الأمور كما كانت عليه في السابق، بما في ذلك سوق وصناعة الاتصالات وتقنية المعلومات. فأمام دعوات الانفتاح التي دعت لها واشنطن واستجابت لها الكثير من عواصم العالم، وخصوصاً ذات الاقتصادات المعافاة مثل دول الشرق الأقصى أو تلك التي تمتلك أسواقاً ضخمة مثل الصين ناهيك عن تلك التي تجمع بين الحسنيين مثل الهند واليابان. وجميع هذه الحالات تشكل عناصر تحد ومنافسة للاقتصاد الأميركي الذي بدأت تهب عليه بعض أعراض أزمات لابد من التهيؤ لها.

ومن هنا فمن المتوقع أن تشهد السوق الأميركية بعض المعارك الساخنة في سوق العمل ليس الظاهرة المكسيكية سوى أولى علاماتها.

وفي خضم كل ذلك لابد أن تبحث الصناعة العربية، وخصوصاً ذات العلاقة بموضوعات الطاقة عن موطئ قدم لها

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 1303 - الجمعة 31 مارس 2006م الموافق 01 ربيع الاول 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً