العدد 1303 - الجمعة 31 مارس 2006م الموافق 01 ربيع الاول 1427هـ

صورة «إسرائيل» في المشهد الانتخابي (1)

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

أسفرت الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة عن متغيرات في المشهد السياسي. فالمتغيرات ليست في الاختلاف على جوهر المشروع الصهيوني وإنما في تبدل القوى التي تحمل هذا المشروع. فالكيان الذي تأسس في نهاية أربعينات القرن الماضي على فكرتي الاستيلاء والطرد أخذ تكوينه الاجتماعي يحمل تلاوين سياسية وجنسية (قومية) مختلفة عن فترة التأسيس. وهذا التحول ليس بالضرورة هو إشارة لبداية التفكك وإنما يعكس طبيعة المتغيرات البنيوية التي تصاب بها عادة «المجتمعات» الاستيطانية.

«إسرائيل» في أساسها دولة مستوطنات أي أن مؤسساتها قامت بداية على بناء مستعمرات للمهاجرين أو المهجرين من مجتمعات تقع خارج بيئة التوطين. وهذا النوع من الدول يتشكل عادة من أمزجة ثقافية ولونية ولغوية وعرقية مختلفة تتوافق على فكرة واحدة تجمعهم في دائرة بعيدة عن أوطانهم أو مجتمعاتهم الأصلية.

هكذا دولة لا تاريخية ليس مستبعداً أن تنشأ فيها تكتلات استيطانية تقوم على نزعتين: الأولى العداء والكره لاصاحب الأرض الأصليين، والثانية محاولة التماسك الايديولوجي على فكرة جامعة (هوية مشتركة) من دون إلغاء تلك الانتماءات (العصبيات) التي انتقلت مع المهاجرين من مناطق مختلفة.

هذا النوع من الفسيفساء الأهلي (العصبي) لا يظهر بسرعة في الجيل الأول (المؤسس) وإنما يأخذ بالظهور في الجيل الثاني ويتسع في الجيل الثالث ثم يظهر بقوة في الجيل الرابع.

نظرة سريعة على نتائج الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة تعطي فكرة عن صورة المشهد السياسي الذي ظهر منقسماً على انتماءات «عصبية» تتحكم فيها شروط الولاء للعرق والجنس واللغة أو المكان السابق الذي نزحت منه.

تتألف الكنيست الإسرائيلية (البرلمان) من 120 مقعداً. والنظام الانتخابي الإسرائيلي يعتمد على الدائرة الواحدة وعلى أساس النسبية الحزبية. وهذا يتطلب أن تفوز كتلة واحدة بالغالبية حتى تستطيع أن تحكم والا اضطرت إلى التحالف مع كتل حزبية أخرى لتشكيل حكومة تدير شئون الدولة.

كل هذه المعلومات معروفة. الجديد فيها أن الأحزاب المتنافسة لم تنجح في الحصول على الغالبية النسبية بل توزعت الكتل الرئيسية «الغالبية» إلى نسبيات بسيطة لا يمكن لها أن تنفرد بالسلطة من دون توافق مع قوى أخرى. والتوافق عادة يحتاج إلى تنازلات قاسية وتسويات توزع المقاعد على حصص وليس على أساس برنامج عملي موحد.

هذا الأمر ليس جديداً على «إسرائيل». الجديد في الأمر هو استمرار ميل التكتلات السياسية الصهيونية إلى مزيد من التطرف والانغلاق وبالتالي المزيد من الانحياز نحو «التهويد» والانعزال عن بيئة الدولة ومحيطها الجغرافي الفلسطيني والعربي (الإسلامي).

أسفرت الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة إذاً عن المزيد من التشتت وتوزع مراكز القوى. فالحزب الجديد (كاديما) الذي أسسه ارييل شارون قبل أسابيع من إصابته بجلطة دماغية نال 28 مقعداً. وحزب العمل (الذي أسس الدولة وقادها منفرداً من الخمسينات إلى السبعينات) حل في المرتبة الثانية ونال 20 مقعداً. ونال حزب شاس (الديني المتطرف) 13 مقعداً. وجاء في المرتبة الرابعة حزب اليهود الروس (إسرائيل بيتنا) ونال 12 مقعداً. وحل حزب الليكود (المنافس التقليدي لحزب العمل) في المرتبة الخامسة ونال 11 مقعداً. وجاءت الأحزاب العربية الثلاثة في المرتبة السادسة وحصلت مجتمعة على عشرة مقاعد. وفي المراتب الأخيرة توزعت هيئات وتيارات متفرقة (قرابة 20 منظمة سياسية) المقاعد الـ 26 المتبقية.

صورة المشهد إذاً مفككة. والصورة الانتخابية عادة كالمرآة تعكس حال التفكك السياسي (السوسيولوجي) الذي يتألف منه واقع دولة قامت تاريخياً على سلوكات نزوح الجماعات من الخارج وطرد المقيم في أرضه والإقامة في مكانه.

هذه الصورة المشهدية للانتخابات الإسرائيلية ليست حديثة التكوين. إلا أن تلاوين صورة المشهد أخذت تتبدل وتختلف في تركيبها البشري (العصبي) منذ سبعينات القرن الماضي وتحديداً بعد حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973. فتلك الحرب كشفت عن خلل بنيوي في توازن الدولة وثغرات سياسية وأمنية واقتصادية وبشرية لا يمكن غلقها من دون دعم خارجي متواصل يمنع أو يؤخر حالات التفكك الذي تأسست عليه هذه الدولة الاصطناعية.

وحين تكون الدولة «مصطنعة» فهي أولاً تفتقد الشرط التاريخي لقيامها. وهي ثانياً تحتاج دائماً إلى رفد عناصرها البشرية بالمزيد من المستوطنين المستوردين من الخارج. وهي ثالثاً تحتاج دائماً إلى دولة قوية (عسكرية) لتحافظ على التوازن الداخلي من خلال مواصلة عمليات الدمج والصهر حتى تمنع العصبيات النازحة من أمكنة وأزمنة مختلفة من الفتك بها من الداخل. وأخيراً وهذا هو الأهم تحتاج مثل هذه الدولة الاصطناعية الجاهزة والمزروعة في بيئة غير متناسبة مع طبيعتها التكوينية إلى موازنة مالية مرتفعة حتى تستطيع تأمين رفاهية تغري النازحين بالإقامة وعدم مغادرتها. فمثل هذا النوع من «الدول» مكلفة وباهظة الثمن، الأمر الذي يفسر الانفاق الهائل الذي تدفعة الولايات المتحدة (وألمانيا) سنوياً للمحافظة على اقتصادها مضافاً إليها تلك السيول من المساعدات المالية والعسكرية والدبلوماسية والإعلامية التي تلاقيه هذه الدولة (المصنوعة بالقوة) للمحافظة على سمعتها وتغطية تجاوزاتها الأخلاقية والسياسية ومخالفاتها الدائمة للقوانين والشرائع الدولية

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1303 - الجمعة 31 مارس 2006م الموافق 01 ربيع الاول 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً