مساء الخميس الماضي كان سيمضي مثل كل الأيام العادية، لولا اتصال من رئيس قسم المحليات الزميل عقيل ميرزا بمكاتب «الوسط» يخبر بوقوع «كارثة»، وانه في عرض البحر يعمل مع آخرين على إنقاذ غرقى من بانوش قريب منهم، وان الوضع خطير نظراً إلى عدد ركاب البانوش المنكوب.
البحرين صغيرة جداً، وما يحدث فيها يتم تناقله بسرعة البرق... وهكذا بدأت المكالمات والرسائل النصية تنهال من كل مكان مستفسرة، أو مخبرة، عن الحادث المؤلم الذي أودى بحياة عدد غير قليل من الركاب الذين ذهبوا في رحلة فرحين، لكنهم عادوا بآلامهم وكوابيسهم التي ستلازمهم طوال حياتهم.
النشرات الاخبارية على الفضائيات نقلت الحادث، ولأن المعلومات شحيحة في بداية الأمر، بدأت الاجتهادات تذهب يمنة ويسرة، وبعض ما قيل يعبر عن آراء مضرة أكثر منها معلومات مفيدة. ففي وقت الأزمة ينبغي عدم إصدار الآراء وعدم تبرير أو إدانة ما حدث أو كيفية التعامل مع مأساة إنسانية كان ضحاياها مازالوا بين الموت والحياة.
الإعلام الرسمي كان بطيئاً في بداية الأمر، بل إن تلفزيون البحرين كان منشغلاً بفيلم عربي من الطراز المتعب للمشاهد وغير المشاهد... لكن التلفزيون سارع لاحقاً لالتقاط الحادث وذلك لمنع الفضائيات الأخرى من الاستحواذ على الأنباء الساخنة التي غطت على كل الأخبار الأخرى.
ثم بعد فترة اتصل أحد المسئولين من وكالة أنباء البحرين محاولاً منع نشر أخبار خارج الإطار الرسمي... وكأن هناك من لايزال يعيش في عصر سابق عندما كانت المعلومات تحتكرها سلطة مركزية تقوم بإعادة صوغها ومن ثم نشرها بطريقة خاصة بعد أن تبعد عنها الحقائق التي يتعطش لها كل من يهمه متابعة ما حدث.
كارثة البانوش ستفتح الأبواب على مصارعها للتعرف على نظام السلامة - ان كان هناك نظام أساساً - الذي يتم اتباعه في مختلف أنواع السفن والقوارب في مياه البحرين المحيطة.
الكارثة ستفتح الأسئلة عن نظام التفتيش على النقل البحري للتأكد من اتباع كل من يذهب إلى البحر أنظمة الأمن والسلامة. الأسئلة ستطرح عن أهلية من يقود هذه السفن... الأسئلة ستفتح عن نوعية هذه السفن، وتصميماتها وطريقة صيانتها وتحميلها بالركاب والمعدات والحمولات...
الكارثة ستفتح الباب للكثير من الأسئلة الحائرة، وخصوصاً أن بعض الذين فقدوا حياتهم أجانب من دول لها ثقلها، وهذه الدول لديها برلمانات وصحافة ومراقبون وشركات تأمين، وهي لن تتساهل في الأمر ولن تقبل بأنصاف التفسيرات أو التبريرات.
الكارثة هي كارثة بكل ما للكلمة من معنى، لأنها كشفت عن الحاجة الماسة إلى نظام آمن وشفاف يعتمد على محترفين في رعاية سلامة الناس وهم في عرض البحر. والأمل في أن تكون هذه آخر ما يصيبنا من بلاء من خلال استلهام الدروس واتخاذ الخطوات التصحيحية اللازمة، لأنه لا يوجد أغلى من حياة الإنسان التي يجب على الجميع السعي إلى حمايتها من أي مكروه يمكن تحاشيه
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 1303 - الجمعة 31 مارس 2006م الموافق 01 ربيع الاول 1427هـ