العدد 2498 - الأربعاء 08 يوليو 2009م الموافق 15 رجب 1430هـ

الطبقة الوسطى وأمراض النُخب

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

للنظام الإيراني أن يتهم معارضيه بالعمالة للغرب، وللمعارضة أن تتهمه بالتزوير، ولكن على المراقب الخارجي عندما يحلل سياسيا، أن يبحث عن الحقائق الضائعة بين دخان الاتهامات المتبادلة والإعلام الغربي المستنفر.

من الصعب القبول بنظرية المؤامرة الخارجية في تفسير الحدث الإيراني الأخير. فلو لم يجد الغربيون مادة يشتغلون عليها مما حدث في شوارع طهران، لما أخذت المسألة كل تلك الأصداء. والدليل أن النظام الإيراني أسرع لإقفال هذه المنافذ وسد الأبواب (الإنترنت والرسائل النصية والهاتف...) تمهيدا لتطويق حركة الاحتجاجات وإنهائها بأسرع وقت.

إيران دولةٌ إسلاميةٌ مؤثرةٌ، مثلها مثل تركيا وباكستان وأندونيسيا، والحديث عنها لثقلها السكاني والاقتصادي وتأثيرها السياسي، بعيدا عن الاختلافات المذهبية والعرقية حيث يحلو للكثيرين الطنطنة عليها. ولعل العالم يشهد مفاجأة أكبر لو أعيدت الانتخابات الآن، حيث سيخسر المرشح مير موسوي أكثر، ولن يحصل على نصف عدد الأصوات في المرة الأولى، بعدما تبين للإيرانيين ما ألحقه موقفه ببلدهم من ضرر وتشويه، وبدا في صورة اللاهث لتسلّق كرسي الحكم بأي ثمن.

من المؤكد أن أغلبية الطبقة الفقيرة صوّتت لنجاد، لكن فوزه لم يكن ليتحقق لولا تصويت الجزء الأكبر من الطبقة الوسطى لصالحه. فهذه الطبقة لعبت دورا طليعيا إبان فترة التحرر من الاستعمار في مختلف بلدان الشرق، وفي الحراك السياسي بعد الاستقلال، وإيران ليست بدعا في ذلك، فليس صحيحا أن الفقراء وحدهم رجحوا كفة مرشحهم (نجاد)، فنسبتهم العددية تبطل هذا الكلام.

الطبقة الوسطى في إيران هي التي أمدت الثورات والحركات بالوقود الحيّ لأكثر من مئة عام. وفي تركيبتها وسماتها الرئيسية، لا تختلف كثيرا عن الطبقات الوسطى في الدول الإسلامية الأخرى التي تشهد حضورا قويا للإسلام السياسي. فمن الإسلاميين من وصل للحكم (إيران وتركيا)، أو دخل التجربة (مصر وباكستان)، ولأن الطبقة الوسطى تمثل في العادة ستين في المئة من السكان، فلا غرابة أن يكون لها القول الفصل في الانتخابات.

في إيران، قدّمت الطبقة الوسطى مددا كبيرا للثورة حتى أوصلتها إلى بر الانتصار. فعلى مدار 12 شهرا، ظلّت المدن الكبرى تتظاهر ويسقط أبناؤها برصاص الجيش، حتى رحل الشاه وعاد الإمام الخميني ليعلن النظام الجمهوري. ومن عاش تلك الفترة التاريخية، يعلم جيدا أن المدن الكبرى (طهران، اصفهان، مشهد، شيراز، قم...) هي التي قادت قاطرة الثورة، وليس الريف الذي يضم أربعة آلاف قرية لم يدخل أغلبها الكهرباء آنذاك.

هذه الطبقة ذات صبغة دينية، كنظيرتها في مصر وتركيا مثلا، وربما تزيد عليها ببعض الإضافات، ففي رمضان يحرص عشرات الآلاف من الشباب الإيراني من الجنسين على الاعتكاف في المساجد. وفي الصيف تستقبل مدينة مشهد عدة ملايين من الزوار من مختلف المحافظات، في حركة سياحة داخلية ضخمة. ويستقبل مطارها يوميا من طهران وحدها 15 رحلة جوية، وأغلبهم من الميسورين والطبقة الوسطى.

هذه الطبقة هي التي جاءت بالإصلاحيين وجرّبتهم لمدة 16 عاما، وهي التي انتقمت منهم بإسقاط مرشحهم (رفسنجاني) في 2005 وجاءت بشخص لم يسمع العالم باسمه، ومدّدت له أربع سنوات أخرى. وهي صدمةٌ لم تستوعبها النخبة فخرجت تصيح: أين صوتي؟ ولم تفكّر باحترام أصوات الآخرين حتى لو كانوا فقراء. وهي أعراضٌ نموذجيةٌ للعلل التي تعاني منها أكثر النُخب في الشرق، من درجةٍ عاليةٍ من النرجسية وعبادة الذات، والجري وراء المصالح الشخصية وتبني فلسفة نفعية تبرر السعي المحموم وراء المصلحة الفردية... واحتقار غريب للطبقات الدنيا وجموع الفقراء.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2498 - الأربعاء 08 يوليو 2009م الموافق 15 رجب 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً