العدد 2498 - الأربعاء 08 يوليو 2009م الموافق 15 رجب 1430هـ

جرأة الصين وإحجام العرب (2/2)

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

تضع الخطوة الصينية الجريئة البلدان العربية، وعلى وجه الخصوص النفطية منها، أمام تساؤل منطقي يقول: ما الذي يمنع الدول العربية من الإقدام على خطوة مماثلة، وليست بالضرورة متطابقة؟

وقبل الغوص من أجل البحث عن إجابة على هذا التساؤل، لابد من التأكيد على أن المدخل لهذه الخطوة، إن شاءت لها الظروف أن ترى النور، لا ينبغي أن يكون عدوانيا، ولا انتقاميا من أحد، بقدر ما هو تحسين شروط الوجود الاقتصادي العربي على خارطة العلاقات الاقتصادية العالمية.

المسألة الثانية التي ينبغي التنويه لها هنا، إننا نستخدم تعبير «العرب» بشكل مجازي، إذ إننا ندرك مسبقا عدم وجود كتلة عربية، بالمعنى الاقتصادي، بل وحتى السياسي، إذا ما قيست الأمور بمعايير دولية لتعريف السوق العربية المتكاملة، أو الكيان السياسي العربي الموحد.

المسألة الثالثة والأخيرة هي أننا نقصد بالعرب، تلك الكتلة العربية النفطية ذات «الفوائض النفطية» الباحثة عن دور اقتصادي.

من هنا سنحصر الحديث على تلك السيولة النقدية المتوافرة لدى بعض البلدان العربية، في شكل استثمارات مباشرة أو صناديق سيادية والتي بدأت تأخذ مكانها، بغض النظر عن صغر ذلك الحيز المكاني، في آلية حركة السوق العالمية.

وما يدفعنا إلى التركيز على الدول العربية «النفطية الغنية»، هو أننا لو تناولنا المنطقة العربية بشكل كامل، سنكتشف أن أداءها الاقتصادي لايؤهلها لأن تمارس أي دور اقتصادي عالمي. هذا ما تؤكده أرقام التقرير الاقتصادي العربي الصادر العام 2008، مغطيا الفترة حتى العام 2006.

يرى التقرير أن «معدلات البطالة في البلاد العربية تصل إلى «15 في المئة والدين العام الخارجي للدول العربية المقترضة 137 مليار دولار، فوائدها السنوية 27.7 مليار دولار، كما أن التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه الدول العربية في مجملها لا تزال كبيرة، ومن أهمها توفير فرص عمل جديدة لاستيعاب الأعداد المتزايدة من العاطلين عن العمل، وتحقيق قفزة في مجالات التعليم والبحث العلمي والابتكار وتحسين استغلال الموارد، وتعظيم استفادة الدول النفطية من الفوائض المالية المتزايدة التي تحققها، من خلال توجيهها نحو الاستثمارات المنتجة في القطاعات النفطية وغير النفطية... حتى الناتج الزراعي للدول العربية، رغم ارتفاعه إلى حوالي 79.3 مليار دولار في عام 2006 أي بزيادة 13.4 في المئة عن العام 2005، فقد انخفضت نسبته في الناتج المحلي إلى 6.2 في المئة بدلا من 6.4 في المئة. وارتفعت الصادرات الزراعية إلى 10.7 مليارات دولار في العام 2005 في حين ارتفعت الواردات الزراعية إلى 35.3 مليار دولار... وبالتالي أصبح العجز حوالي 24.6 مليار دولار سنويا».

رغم سوداوية هذه الصورة، لكنها لا ينبغي أن تقودنا إلى حالة يائسة تفقد المال العربي من أي دور عربي.

وهنا يمكننا الإشارة إلى بعض الأرقام والوقائع التي تؤكد أهمية الحضور المالي العربي في الأسواق العالمية.

يقول تقرير صدر مؤخرا عن شركة بيت الاستثمار العالمي «غلوبل» إن «الدول المصدرة للنفط في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا استفادت من فوائض النفط المحققة خلال العامين السابقين، حيث بلغ إجمالي فائض الحساب الجاري لاقتصادات منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا 292 مليار دولار خلال عام 2007، مشيرا إلى أن صندوق النقد الدولي يتوقع أن يصل إلى 495 مليار دولار بنهاية العام 2008».

وليس أدل من حاجة الدول الغربية إلى الأموال العربية من تلك الجولات المتعددة التي قام بها عدد من المسئولين في الدول الغربية في أعقاب تفاقم الأزمة المالية العالمية، وتحديدا في نوفمبر/ تشرين الثاني 2008، من أمثال وزير الخارجية البريطانية ومن قبله نائب وزير الخزانة الأميركي ووزيرة التجارة الخارجية الفرنسية في العواصم الخليجية، من أجل إقناعها بالمساهمة المالية في مساعدة الدول والمؤسسات التي تضررت من الأزمة المالية العالمية.

ومن فوائض النفط ننتقل إلى الصناديق السيادية العربية، حيث أكد تقرير اقتصادي أعدته مؤسسة «ديلوجيك» أن «الصناديق السيادية الشرق الأوسطية استثمرت خلال الشهرين الأولين من العام الحالي 24.4 مليار دولار وهو تقريبا نصف إجمالي استثماراتها العام الماضي كله. وأن صناديق الاستثمار السيادية الإماراتية (10.7 مليار دولار) احتلت المركز الثاني في العالم من حيث حجم نشاطها خلال 14 شهرا الماضية بعد الصناديق السنغافورية». ويقدر البعض قيمة الصناديق السيادية الخليجية بما يربو على 1.5 تريليون دولار.

وقد أدى ارتفاع عدد الصناديق السيادية، وزيادة أحجام استثماراتها إلى تخوف بعض الدول الغربية، ومن بينها الولايات المتحدة، مما دفعها إلى الضغط على صندوق النقد الدولي من أجل اتخاذ خطوات من شأنها التضييق على أنشطة تلك الصناديق.

كان ذلك على صعيد الأرقام، أما على صعيد الوقائع، فيمكننا الاستعانة بالتقرير الذي نشرته صحيفة الفاننشال تايمز البريطانية في العام 2005، حول الذعر الذي ساد الكثير من المؤسسات الأميركية عندما أعلنت السعودية عن احتمال سحب استثمارات قدرت قيمتها حينها بما «يتراوح بين مئة مليار ومئتي مليار دولار، وذلك احتجاجا على تزايد مشاعر العداء للسعودية في الولايات المتحدة، وتحسبا من قيام إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش بتجميد هذه الأموال السعودية».

هذا يعني أن بين أيدي المسئولين العرب (السيولة والصناديق السيادية) ما يمكنهم أن يستعينوا بها لممارسة بعض الضغوط على المؤسسات الدولية لتحسين شروط العلاقة القائمة معها.

وهذا يعني أنه ليس هناك ما يبرر إحجام العرب، بعد أن لمسوا إيجابيات الموقف الصيني، عن الإقدام على خطوة مماثلة تنقلنا جميعا من خانة التابع المطلق إلى الشريك المتفاعل إيجابيا.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2498 - الأربعاء 08 يوليو 2009م الموافق 15 رجب 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً