العدد 3160 - الإثنين 02 مايو 2011م الموافق 29 جمادى الأولى 1432هـ

رواية «العباءة» لمها الجهني بين السيناريو والشاعرية (2-2)

- «ماذا أقول أنا إذن وعندي خمسة (تبلع ريقها) وتؤكد قائلة: خمسة يا أم فاطمة قابلون لأن يجرفهم التيار؟»(23)

وخوفاً من بعبع الإرهاب تقول أم فاطمة: «وإذا على القرآن احفظوا عندي. أمام عيني». فهي خوفاً تريد أن تمنع ابنها من الالتحاق بدور تحفيظ القرآن الكريم.

- «تهرب الجدة من الإجابة برفع صوت التلفاز الذي يعرض صوراً لإرهابيين خطفوا أجانب ويطالبون بالفدية».(60)

- «تلاحظ نورة أن الإرهابيين في أخبار التلفاز يربطون عصابة تماماً كعصابة جدتها».(61)

أما الأحداث العربية والإسلامية فقد أشارت إليها الرواية إشارة خجولة، وهذه الإشارة تليق بمجتمع النساء الذي لا تشغله كثيراً مثل هذه الأحداث، ومن ذلك: تفجيرات برج سكني في السعودية (22)، الحرب العراقية الإيرانية (123)، الانتفاضة الفلسطينية الأولى (138)، أطفال العراق (149)، حركة طالبان (174)، أسلحة الدمار الشامل العراقية (196).


محاولات اختراق الخطوط الحمراء

يتكئ الأدباء الشباب كثيراً على التمرد على الخطوط الحمراء وخاصة الجنس والدين، في محاولة ربما للفت الانتباه، وقد يعكس ذلك تمرداً داخلياً، أو رغبة في التمرد والخروج من الشرنقة.

ففي ميدان الجنس استخدمت الكاتبة عبارات جنسية دون مبرر وظيفي أو منطقي، كما في الصفحات (34)، (38)، (54)، (82).

وقريباً من ذلك تستخدم بعض العبارات غير اللائقة، وخاصة من كاتبة أنثى، مثل: «شعرة من (...) الخنزير بركة»(85)، «طزززز!»(85)، «خاري ببلاش»(124)

أما الدين، فقد جاءت أمثلتها تعريضاً بالمتدينين وسخرية منهم، وذكرت نماذج سلبية، ومن ذلك:

- «يمر رجل بلحية كثة غطت معالم وجهه، وثوب يصل حتى الركبة أمام الدكان، يعلو صوت استغفاره عندما تمر بجواره امرأة فيتحرك بؤبؤ عينيه نحوها خلسة».(173)

- ونفس الرجل يقول لأبي سعيد: «استغفر ربك يا أخي، الأغاني حرام. يبتسم أبو سعيد بارتباك، وتحت إصرار الرجل الذي يلوح في وجهه يبدأ بتغيير المحطة، ثم يوقف إبرة المذياع عند محطة إخبارية، يتحدث فيها محلل عن موجة الأصولية الرجعية الأكثر تطرفاً في أفغانستان».(174)

- «بين آونة وأخرى يتسلل صوت شيخ الجامع وهو يصرخ مطالباً - بعد صلاة العشاء - بعودة الدين إلى سابق عهده».(182)

- والمثال الرابع لأبي يوسف الذي يعود من أفغانستان مقعداً مقطوع الرجلين، وكأن هذه هي النتيجة الوحيدة المطلقة لمن يذهب إلى أفغانستان في عهد كان الذهاب إلى هناك مدعوماً من الدول الكبرى والصغرى على حد سواء للتصدي للغزو الروسي لأفغانستان.

وغير بعيد عن ذلك، ما ورد على لسان غيداء: «هل تريد أن تمتحنني يا إلهي؟ إذا كنت كذلك فأرجوك توقف، لا قدرة لي على الاحتمال».(163)

وهنا لا اعتراض على تناول الجنس والدين في العمل الأدبي إن كان ثمة ضرورة لذلك، وأن يوظف في إطاره الموضوعي دون تكلف أو إقحام غير مستساغ، وبشأن الدين يفترض أن تنتقد السلوكات الخاطئة بغض النظر عن مصدرها، ولكن ربطها بالدين أمر مرفوض جملة وتفصيلاً، لكي لا نقع في الفخ المراد أن نقع فيه.


أخطاء علمية

يبدو أن تسرع الكاتبة أوقعها في بعض الأخطاء العلمية غير المقصودة، ومن ذلك:

- «خيبة... نبتت في قلب نواف وهو يحاول تجميع عناصر موقعه على شبكة الإنترنت، حين اكتشف أن المتسللين قد تصيدوا موقعه وخربوه بالكامل»(103)، فتجميع العناصر ليس حلاً للموقع المخترق، ولا توجد عملية تجميع عناصر ابتداءً.

- في صفحة (189) ورد تعريف السمندل بأنه «حيوان خرافي يعتقد بعودته إلى الحياة بعد اختراقه». وهذا مخالف للحقيقة؛ فالسمندل حيوان برمائي، أشبه بالحرباء، وأكبر منها حجماً، ذيله مفلطح عريض في آخره. له أربع قوائم صغيرة، يعتمد على جذعه كي يتقدّم. وهو معروف بخموله وخاصة في النهار.


التحيز

ومما يؤخذ على الرواية ورود بعض العبارات المتحيزة ضد الغير، مثل:

- «تتفتح المدينة للغرباء كنخلة صحراوية»(31)، فمن هم الغرباء؟!

- «صراخ المؤذن الآسيوي الناشز»(36)، فربط الصراخ والصوت الناشز بالمؤذن الآسيوي أمر يحمل رائحة التحيز ورفض الآخر حتى وإن كان على ديننا.


قصة الجدة فضة

أبدعت الكاتبة وبرعت في سرد قصة الجدة فضة عن طريق الذكريات والاسترجاع بين الحين والآخر في أسلوب جميل ومتناسق ومشوق في الوقت نفسه، مما يسجل للرواية بامتياز. كما استخدمت الأسلوب نفسه في سرد جانب من قصة أم نواف، ولكن قصة الجدة فضة كانت الأمْيَز والأكثر جمالاً.

وأخيراً، فقد اختصرت الكاتبة الواقع المر الأليم بقول الجدة فضة: «ما هو الأمر الذي لا يُعد كفراً في حياتنا؟»(187)، في إشارة إلى انقلاب الموازين، واختلال القيم، واضطراب كل شيء، وانعكاس الأمور.

ولا تملك كقارئ عند الانتهاء من الرواية إلا أن تهتف: «ثم ماذا؟» لأنك تشعر أن الحكاية لم تنته، وثمة خيوط لم تتشابك بعدُ، إلا إن كانت الرواية مبنية على مشكلة فوزية مع عبدالكريم التي انتهت بزواج غيداء، ولا أظن أنَّ مشكلة هذه الزوجة الغيورة تصلح لأن تكون هي ذروة سنام الرواية.

وبعد... هل نجحت رواية «العباءة» في نزع العباءة، وكشف المستور؟ إنَّ ما فعلته الرواية هو إعادة سرد المألوف روائياً. أما الكشف فإنَّ الرواية لم تنجح في الاقتراب الجسور من الخطوط الحمراء اجتماعياً أو سياسياً، واكتفت الكاتبة بالوقوف على الشاطئ دون الجرأة على اقتحام العباب!

* كاتب وقاص أردني

العدد 3160 - الإثنين 02 مايو 2011م الموافق 29 جمادى الأولى 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً