العدد 2498 - الأربعاء 08 يوليو 2009م الموافق 15 رجب 1430هـ

أوباما في موسكو... نجاح أقل من التوقعات

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

أنهى باراك أوباما زيارته الرسمية إلى موسكو، وهي الأولى منذ توليه مقاليد الرئاسة الأميركية، بنتائج كانت أقل من التوقعات. فالرئيس أوباما غادر الكرملين بنصف نجاح وتم ترحيل النصف الثاني إلى لقاءات لاحقة.

النصف الأول تناول توقيع مجموعة اتفاقات عسكرية وأمنية تتصل بخفض ترسانة الأسلحة النووية وتأمين معابر لإمداد القوات الأميركية بالمعدات والذخائر والحاجات اللوجستية في أفغانستان. والنصف الثاني جرى مقاربته من زوايا مختلفة من دون التوصل إلى توافقات نهائية بشأنه. والاختلاف على النصف الثاني اشتمل ملفات الدرع الصاروخي ومسألة توسيع دائرة الحلف الأطلسي (الناتو) لتشمل أوكرانيا وجورجيا.

الاختلاف على النقاط الساخنة يؤشر إلى صعوبات أخذ أوباما يواجهها في أكثر من مكان على رغم التنازلات التي قدمها لتسوية أمور عالقة من عهد سلفه جورج بوش. والصعوبات ليست بالضرورة روسية بالكامل بل هي في بعض وجوهها جاءت من الداخل الأميركي.

الاعتراضات الأميركية على سياسة أوباما الخارجية تشكل عوائق وحواجز تمنع الرئيس من التحرك الدبلوماسي من دون قيود محلية تتصل بمراكز القوى واللوبيات (شركات الطاقة، ومؤسسات التصنيع الحربي) والأجهزة الثابتة التي تمسك بالهيئات العليا وشبكة المخابرات. فهذه الدوائر التي تشرف على تحريك الملفات تلعب دور المعطل أو الضامن وذلك بحسب ما تقتضيه مصالح الدولة الاستراتيجية. وبسبب هذه اللوبيات بدأت إدارة أوباما تفقد الزخم وتلك الحيوية التي أظهرها الرئيس الشاب بعد دخوله البيت الأبيض.

الدرع الصاروخي في أوروبا الشرقية لم ينجح أوباما في تفكيك شفرتها العسكرية خلال مفاوضاته مع قادة الكرملين ما اضطره إلى اقتراح مقايضات في ملفات أخرى مقابل تقبل تجميدها أو تأخيرها. كذلك مسألة انضمام أوكرانيا وجورجيا جرى ترحيلها إلى مفاوضات لاحقة مقابل وعد أميركي بتأخير فترة توسيع مظلة الحلف الأطلسي احتراما لمخاوف روسيا على أمنها الإستراتيجي في مدارها الجغرافي السياسي.

عدم نجاح أوباما في تطويع كل الملفات الشائكة لا يعني أن زيارته فاشلة في حال مقاربتها مع فترة بوش. فالزيارة نصف ناجحة خصوصا في إطارها الشخصي إذ استطاع أوباما تذويب الجليد بين واشنطن وموسكو حين استخدم مجموعة مفردات حاولت مقاربة النموذجين استنادا إلى تاريخ روسيا العريق والغني بحضارته وثقافته ودوره العسكري في حماية أوروبا من الخطر الفاشي - النازي في الحرب العالمية الثانية.

اختلاف خطاب أوباما عن بوش في التعامل مع الشخصية الروسية يشبه كثيرا اختلاف خطابه عن خطاب بوش في التعاطي مع الإسلام والحضارة الإسلامية. أوباما اعتذر من الشعب الروسي ومدح دوره الخلاق في ازدهار الثقافة الإنسانية (أدب، فلسفة، اكتشافات، علوم) كما سبق وفعل في خطابه التصالحي مع المسلمين في القاهرة. وتشكل الخطوة الثقافية التي نجح أوباما في تحقيقها في موسكو رسالة تسامحية أعطت مفعولها الداخلي ما يعزز الطريق نحو تسجيل اختراقات سياسية في لقاءات لاحقة.

نجاحات أوباما حتى الآن ثقافية - إنسانية أكثر مما هي سياسية. فالرئيس الشاب يحرص أن يعطي صورة مغايرة لوجه أميركا الذي اتسم في عهد بوش بالتوتر والكراهية والتشاوف واحتقار حضارات الشعوب وموقعها في إطار الشراكة الدولية والإنسانية. وهذا ما نجح حتى الآن في تحقيقه على أكثر من صعيد وقارة بما فيها دول آسيا وأميركا اللاتينية.


أبعد من الثقافة

المطلوب من أوباما أكثر من تحسين التصرف الثقافي مع الدول والشعوب. فالوجه الحضاري ضرورة إنسانية للانفتاح والتقدم باتجاه التعايش والتعارف ولكنه يحتاج أيضا إلى وجه سياسي يعزز إمكانات التفاهم على الحد الأدنى من المصالح المشتركة. وحتى الآن لم يوفق أوباما في تحقيق اختراق جدي في مختلف الملفات على رغم أنه نجح في تخفيف التوتر أو تجميده في أكثر من مكان.

تصحيح السلوك لا يعدل المسار في معادلة المصالح وخصوصا حين تتطور العلاقات باتجاه معالجة ملفات ذات طبيعة استثنائية كالموضوع الفلسطيني وتفرعاته العربية. مثل هذه الملفات تحتاج سياسة مغايرة تكون على سوية القضايا الاستثنائية. واتباع التحركات الدبلوماسية التقليدية لا ينفع واشنطن لاحتواء العناصر التفجيرية لمثل هذه المعضلات المزمنة. فالمعالجة في إطار الموضوع الفلسطيني تتطلب جرأة استثنائية لكسر قواعد اللعبة وإعادة هيكلة آلياتها وفق رؤية خلاقة تحتاج إلى شجاعة لم تعهدها الإدارات الأميركية السابقة في تعاملها الروتيني مع حكومات تل أبيب.

حتى الآن لم يتوفق أوباما في كسر «المقدسات» التي صنعها أسلافه في البيت الأبيض وذلك لاعتبارات سياسية تتجاوز خطابه الثقافي في جامعة القاهرة. وهذه الاعتبارات التي يبدو أنها أخذت تضغط عليه وتلوي ذراعه يمكن أن تقود أوباما إلى الفشل والظهور أمام العالم بموقع الضعيف وغير القادر على مواجهة اللوبيات في واشنطن. وتهرب الرئيس الأميركي من التعامل وجها لوجه أمام حملة الضغوط عليه في البيت الأبيض ستدفعه لاحقا إلى اختراع أزمات أو التوجه إلى أمكنة خاطئة لتغطية فشله في معالجة أزمات لم يعد بالإمكان تجاهلها أو تأجيلها نظرا للمخاطر المتأتية من إهمالها.

السياسة الأميركية في عهد أوباما على مفترق طرق قبل أن ينهي الرئيس الشاب السنة الأولى من عهده. فهو نجح في تذويب الكثير من البرودة مع الشعوب والحضارات. ونجح أيضا في تصويب ملفات ووضعها في إطارها الصحيح. كذلك استطاع أن يجمد أو يحد من انتشار الملفات الساخنة واحتمال انفتاح أوراقها على أزمات متدحرجة. كل هذه الإنجازات تشكل اختراقات مهمة في نصف السنة الأولى من عهد أوباما إلا أن الرئيس لم يوفق حتى الآن في معالجة ملف سياسي واحد ذات طبيعة خاصة. وباستثناء توقيع بعض اتفاقات مع روسيا ودول الاتحاد الأوروبي وغيرها من أطراف تعثر الرئيس الأميركي في تخطي حواجز تحد من تفاقم الأزمات. والحد من التفاقم يعتبر خطوة جيدة ولكن حل الأزمات هو الطموح المطلوب لتحقيق نوع من التوازن في السياسة الخارجية الأميركية.

التحدي الأساس الذي يواجه أوباما كان ولايزال يتركز في «الشرق الأوسط». ونجاح الثنائي نتنياهو - ليبرمان في كسر ذراعه في إطار الضغط المتبادل في شأن المستوطنات الإسرائيلية في الضفة سيعطي أوروبا وروسيا ودول المنطقة العربية إشارات سلبية تتصل مباشرة باهتزاز الموقع الأميركي الدولي وتراجع دور واشنطن في إدارة الملفات وسيكشف عن ضعف الرئيس في مواجهة اللوبيات التي تعرقل مصالح الدولة في منطقة إستراتيجية وحيوية وغنية.

معيار النجاح والفشل يكمن في «الشرق الأوسط» وتحديدا في مشروع حل الدولتين في فلسطين. إذا نجح الثنائي نتنياهو - ليبرمان في تخويف الرئيس الأميركي وإرهابه فإن هذا الأمر سيعطي إشارة لكل القوى الإقليمية والدولية بالهجوم على مختلف الملفات بما فيها الدرع الصاروخي وأوكرانيا وجورجيا في أوروبا الشرقية. وإذا فشل الثنائي الإسرائيلي في كسر إرادة الرئيس الأميركي في الملف الفلسطيني فإن هذا التطور سيفتح الطريق أمام أوباما لمعالجة الكثير من الأزمات العويصة والشائكة في مختلف المناطق الدولية والإقليمية بما فيها الملفات الساخنة.

تجربة أوباما في موسكو تعتبر من المؤشرات الملموسة على مقدار نسبة النجاح أو الفشل. فالرئيس الأميركي توجه إلى الكرملين آملا في معالجة ملفات الخلاف ولكنه عاد بنتائج أقل من التوقعات. وهذا بحد ذاته يعطي فكرة عن مستوى التقدم أو التراجع في حال أوقف ضغوطه على الثنائي نتنياهو - ليبرمان بذريعة عدم قدرته على مقاومة هجمات اللوبيات في واشنطن وتل أبيب.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2498 - الأربعاء 08 يوليو 2009م الموافق 15 رجب 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً