منذ صدور «الوسط» قبل تسعة أعوام، والبحرين تشهد في الأول من مايو/ أيار مسيرةً عماليةً تشارك فيها النقابات العمالية بقيادة اتحاد العمال، وتتمثل فيها الأطياف والتيارات السياسية الفاعلة ذات التاريخ النضالي، حيث تُرفع الأعلام المختلفة وتردد الشعارات الأممية.
اهتمام «الوسط» بالعمّال كان التزاماً منها بالقضايا العامة، ولما يمثله العمال من مكوّن اجتماعي أساسي، وخصوصاً في ظلّ اقتصاد ريعي، يتحوّل فيه الجميع إلى أجَراء وعمّال حقيقيين، مهما علت مرْتباتهم العلمية وشهاداتهم الجامعية.
عيد العمال لم يكن مناسبةً مألوفةً، وعلى رغم قدم الحركات العمالية، فإن السماح بالاحتفال به أصبح من مقتضيات الألفية الجديدة. كما تم اعتماده عطلة رسمية، ويتزامن ذلك مع تنظيم احتفال سنوي كبير لتكريم العمال المُجدِّين، تحرص الكثير من المؤسسات الحكومية والخاصة على تقديم عددٍ من منتسبيها للتكريم.
الصحافة التي لم تكن تهتم بقضايا العمال فيما سبق، وجدت نفسها ملزمة بالتغطية الخبرية، ولو من باب رفع العتب، فهناك حدثٌ تشارك فيه الجهات الرسمية بنصيبٍ وافر من الاهتمام. وبينما اقتصر بعضها على التغطية الخبرية، ذهبت صحفٌ أخرى إلى تخصيص ملحق خاص بالمناسبة، وأعطت مجالاً أكبر للتعبير عن قضايا وتطلعات العمال.
المناسبة أصبحت فرصةً لإدارة حملات «علاقات عامة»، من أجل إثبات احترام المؤسسات والشركات حقوق الموظفين والعمال. لقد أصبح التكريم خلال سنوات قليلة جزءًا من «البريستيج». وكانت الأخبار الصحافية الجاهزة تغرق الصحف طوال شهر مايو الأغر، مرفقةً بصور تكريم العاملين في مختلف المؤسسات والشركات.
قبل عامٍ بالضبط، وفي الرابع والعشرين من شهر أبريل/ نيسان 2010 تحديداً، فقدت الحركة النقابية عبدالجليل الحوري (مواليد 1940)، أثناء مشاركته في اعتصام لنقابة المصرفيين احتجاجاً على تسريح عدد من موظفي المصارف بسبب الأزمة المالية العالمية. كان حدثاً جللاً، إذ لفظ أنفاسه الأخيرة بين المعتصمين، ولم تفلح محاولة إنعاشه، فقد كان راجعاً توّاً من تلقي العلاج في الخارج. القصة نفسها تختزل الكثير من النُّبل والتضحية في تاريخ الحركة العمالية في البحرين، فقد أمضى المرحوم أربعين عاماً من النِّضال في صفوف الحركة العمالية، وتعرّض للمضايقات في الحركة والرِّزق.
هذا العام، ومع نهاية شهر أبريل، شهدت البحرين تسريح أكثر من ألف عامل وموظف من الشركات الكبرى. وهي نسبةٌ كبيرةٌ جدّاً سواءً بالنظر إلى تعداد السكان، أو نسبة العمالة الوطنية من مجموع الطبقة العاملة، حيث لا تتجاوز الربع. ومع ذلك فإن تسريح هذا العدد الكبير له كلفته الاجتماعية وجوانبه الإنسانية، ليس من حيث زيادة عدد العاطلين فحسب، بل نشر الشقاء والفقر والعوز في المجتمع البحريني الذي كان قائماً على مبادئ التعايش والتَّنوع والتعددية والقبول بالاختلاف.
هذا العام، خاطب الاتحاد العام للعمال الشركات لترشيح الموظفين المرشحين للتكريم السنوي في عيد العمال، وتسلّم عدداً من الأسماء، إلا أنه عاد ليعلن إلغاء المسيرة العمالية، وتأجيل حفل التكريم، بعد أن بلغ عدد المسرحين لديه حتى الخميس الماضي، 1058 شخصاً، ممن بادروا بالتسجيل لديه، غالبيتهم من القطاع الخاص. ومع تواصل مسلسل التسريحات، تحرّكت منظمتا العمل الدولية والعربية لتطويق آثار الأزمة العمالية.
هذا العام، لم يخرج العمال في مسيرتهم السَّنوية، ولم يحملوا أعلامهم الملوّنة الجميلة، وتأجّل حفل التكريم. حتى الملاحق الصحافية اختفت، وما صدر منها كان من النوع المسيء للعمال. وبالنسبة إلى شخصٍ مأخوذٍ بالتاريخ، يطرب لحادثة تقبيل الرسول (ص) ليد العامل الكادح التي يحبها الله ورسوله، نردِّد مع العالم الحر: شكراً ومحبةً وتقديراً للعمال الكادحين
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 3159 - الأحد 01 مايو 2011م الموافق 28 جمادى الأولى 1432هـ