حين أطيح بالرئيس المصري حسني مبارك من السلطة في فبراير/ شباط الماضي اعتقد ملايين من المصريين أن الفساد والركود اللذين ابتلى بهما حكمه الذي دام 30 عاماً سيزولان أيضاً... لكن بعد أكثر من شهرين على رحيل مبارك عن السلطة في 11 فبراير غير البعض رأيه.
وطالب متظاهرون - مطالبون بالديمقراطية أحبطهم ارتفاع الأسعار وندرة الوظائف واستشراء الفساد - بالتغيير. وحتى الآن لم يتغير سوى القليل في حياتهم اليومية بخلاف استطاعتهم طرح شكاواهم بعد سنوات من القمع ما قاد بعض المصريين للتساؤل إلى متى سينتظرون قبل القضاء على إرث مبارك. ولا يزال على من يتوقعون أن يصوغ المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي يدير شئون البلاد رؤية للمستقبل - باستثناء التعهد بإجراء انتخابات - الانتظار فترة أطول ولا يزال مستمراً أسلوب اتخاذ القرار في عهد مبارك والذي اتسم بالغموض.
وكلما طالت فترة انتظار المصريين حتى يشعرون بتحسن الأحوال ونجاح الانتفاضة كلما طالت الفترة التي يستغرقها عودة الاستقرار لواحدة من أكبر دول الشرق الأوسط وأكثرها نفوذاً. وقال مدير المركز الدولي للدراسات المستقبلية والاستراتيجية، عادل سليمان «أسقط المصريون رئيس النظام وليس النظام ذاته». وصرح لـ «رويترز»: «لم يتغير النظام بعد ويحتاج لتغيير شامل. تحتاج بعض الأمور إصلاحاً سريعاً والبعض الآخر يستغرق عقوداً. ولكن ينبغي أن يكون هناك تغيير من أجل عودة الاستقرار وهذا أمر صعب». والمشكلة التي تواجه المجلس الأعلى للقوات المسلحة حتى تجرى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية هائلة ويحتاج حلها عقوداً على الأرجح. ولكن محللين يقولون أن المجلس يمكن أن يساعد نفسه باستعجال الأمور. وإحدى القضايا الأكثر إلحاحاً إدارة عجلة الاقتصاد الذي يقيده قطاع عام ضخم وبرنامج دعم هائل. وكان يتوقع أن ينمو الاقتصاد بنحو ستة في المئة ويجتذب استثمارات مباشرة تبلغ 7.7 مليارات دولار في السنة المالية 2010-2011 . لكن توقعات النمو عدلت إلى 2 في المئة بعد الانتفاضة ووصف وزير المالية الجديد، سمير رضوان النسبة بأنها غير كافية للمساهمة في تعافي الاقتصاد. وقال رضوان إن الحكومة تعاني من ضغوط من أجل تلبية سريعة للمطالب «الهائلة والمتنامية» للحصول على وظائف وزيادة الأجور ومعالجة مشكلة معدل التضخم الذي يبلغ رسمياً نحو 12 في المئة.
وترتفع أسعار المواد الغذائية بما بين 16 و24 في المئة. ومن شأن تعثر الاقتصاد أن يؤجج حالة من عدم الرضا في نهاية المطاف في بلد يقطنه 80 مليون نسمة وقد يؤدي لحالة من زعزعة الاستقرار. وقال محمد يونس وهو نادل في فندق خمسة نجوم «حالة اقتصادنا مزرية والملايين يجدون بالكاد قوت يومهم والشبان يجلسون بلا عمل وكل ذلك بسبب مبارك وعصابته من اللصوص». وتابع «ينبغي أن تسعى الحكومة لتحسين الأوضاع سريعاً لنشعر أن الأمور تتحرك». وذكر محللون أن سرعة التعافي الاقتصادي تتوقف على الإصلاحات السياسية والتي لن تتحقق بشكل جدي إلا بعد انتخاب رئيس جديد. ولكن في الوقت الحالي ينبغي أن تعمل الحكومة الحالية سريعاً ولا خاطرت بإبعاد المستثمرين. وقال رئيس الأبحاث في بنك بيلتون مصر للاستثمار، أنجوس بلير «نحن حالياً في فترة فراغ في انتظار تحقيق استقرار نهائي. بعد ما قيل... ينبغي على حكومة تسيير الأعمال التركيز أكثر على تحسين مناخ الاستثمار». ومبعث القلق الآخر للمستثمرين والمواطن المصري العادي هو الفساد المستشري الذي ساهم في اندلاع الانتفاضة. وحصلت مصر على 3.1 درجة على مؤشر الفساد للعام 2010 الذي تعده منظمة الشفافية الدولية. وتعني درجة صفر ارتفاع معدل الفساد بينما يعني الحصول على عشر درجات كاملة درجة عالية من غياب الفساد. ويتعايش المصريون مع الفساد بشكل يومي لإنجاز أي مصلحة مع الجهات الحكومية ويسخرون قائلين إن شيئاً لم يتغير منذ العصر الفرعوني لذا يضطر معظم الناس لتقديم الرشى للموظفين العموميين. ومازال رجال المرور يحصلون على مال لأنفسهم بدلاً من توقيع غرامة على السائقين المخالفين. ويقول المهندس المعماري، محمد فتحي الذي لا يزال يتوجه لميدان التحرير كل يوم للتعبير عن استيائه من الفساد أن الجميع لا يزال يرتشي وأن الأوضاع لم تتغير عما كانت عليه في عهد مبارك.
وتقول أمنية حسين من منظمة الشفافية الدولية «لن يصلح سقوط زعيم واحد ضعف المؤسسات التي عجزت حتى الآن عن تطبيق لوائح مكافحة الفساد». ويحاول المجلس الأعلى للقوات المسلحة إظهار التزامه بمحاربة الفساد ويجري التحقيق مع الرئيس السابق شخصياً ونجليه والعديد من كبار المسئولين والبعض تجرى محاكمته. ويقول نشطاء أن عودة حكم القانون - بدءاً من احترام إشارة المرور وحتى الحق في محاكمة عادلة - بات ضرورياً. ويريد كثيرون من المصريين محاكمة مبارك (82 عاماً) لكن لم يتضح بعد ما إذا كان ذلك سوف يحدث في ظل ما يبدو من رغبة لدى أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة لحماية قائدهم السابق المريض ما يعتبرونه إذلالاً علنياً. وكانت محاكمة مبارك أحد المطالب الرئيسية للمحتجين الذين أطاحوا به. وقال الناشط محمد عبد الله خليل إنه يتعين الإسراع بمحاكمة مبارك إذا كان المجلس الأعلى للقوات المسلحة جاداً في تحويل مصر نحو الديمقراطية. وقارن العالم المصري أحمد زويل الحاصل على جائزة نوبل في مقال نشرته صحيفة «فايننشال تايمز» بين تراجع مصر وبين الصين التي نجحت في انتشال مئات الملايين من الفقر خلال فترة حكم مبارك التي دامت 30 عاماً. وكتب زويل «لمصلحة الجميع... الذين يرغبون في استقرار طويل الأمد في الشرق الأوسط أن تنجح الثورات الديمقراطية السلمية في مصر ومناطق أخرى. عامل الوقت جوهري»
العدد 3159 - الأحد 01 مايو 2011م الموافق 28 جمادى الأولى 1432هـ