العدد 3158 - السبت 30 أبريل 2011م الموافق 27 جمادى الأولى 1432هـ

آليات الكتابة لـ «أمبرتو إيكو»... (الحلقة الأخيرة)

إدراج الشخصيات التخييلية...

ترجمة وتقديم - سعيد بنكراد 

30 أبريل 2011

ومن أجل تدعيم الطابع الواقعي، يوكل إلى الشخصيات التاريخية (بتواطؤ مع الهستوغرافي (القيام بالأفعال نفسها التي قامت بها تاريخياً (محاصرة لاروشيل، علاقات حميمية مع آن النمساوية، قضايا مع لافروند). وضمن هذا الإطار («الحقيقي») يتم إدراج الشخصيات التخييلية. ولكن هذه النوعية الأخيرة تعبر عن مشاعر يمكن أن تكون مشاعر شخصيات من تلك المرحلة. فما يقوم به دارتانيون لحظة استعادته للمجوهرات في لندن، عمل قابل للإنجاز في القرن السادس عشر، كما يمكن أن يُنجز في القرن الثامن عشر. فليس من الضروري أن نعيش في القرن السابع عشر لكي تكون لنا نفسية دارتانيون.

وفي المقابل، ليس من الضروري أن تكون في الرواية التاريخية شخصيات يمكن التعرف عليها من خلال الموسوعة المشتركة. فالشخصية الأكثر شهرة في les fiancés، هي الكاردنال فيديريغو، الذي لم يكن معروفاً على نطاق واسع قبل مانزوني (أما الشخصية الأخرى، سان شارل، فقد كانت أكثر شهرة)، ولكن كل ما يقوم به لوسيا أو فرا كريستوفورو لايمكن أن يتم إلا في لامبارديا القرن السابع عشر ). إن تحركات الشخصيات تستخدم من أجل فهم أفضل للتاريخ، ولما مضى، وعلى رغم أنها مخلوقة خلقاً فإنها تقول، بوضوح لا مثيل له، عن أيطاليا تلك المرحلة أكثر مما تقوله كتب التاريخ عنها.

وبهذ المعنى، كنت بالتأكيد أرغب في كتابة رواية تاريخية، لا لأن آوبارتان أو ميشال قد وجدا بالفعل وقالا بالفعل ما قالاه، ولكن لأن كل ما قالته هذه الشخصيات ومن بينها غيوم يمكن أن يقال في تلك المرحلة.

لا أعرف إلى أي حد كنت وفياً في هذا المجال، ولا أعتقد أنني قصرت عندما كنت أسرب بعض استشهادات مؤلفين سابقين ( كـ فيتغنشتاين ) لأوهم القارئ بأنها استشهادات تنتمي إلى تلك المرحلة. وفي هذه الحالة كنت أعرف أن شخصياتي من القرون الوسطى ليست هي التي كانت حديثة، ولكن الذين ينتمون إلى العصر الحديث هم الذين كانوا يفكرون بعقلية القرون الوسطى.

ومع ذلك، فإنني أتساءل أحيانا: ألا أكون قد منحت شخصياتي القدرة على تجميع أفكار قروسطية بشكل كلي، انطلاقاً من مجموعة من الخرافات المفهومية التي لو احتفظ بها في حالتها تلك لما أمكن التعرف عليها باعتبارها تنتمي إلى القرون الوسطى. ولكن أعتقد أن على الرواية التاريخية أن تقوم بهذا أيضاً: عليها أن تحدد في الماضي الأسباب التي كانت وراء ما حدث بعد ذلك، وأيضاً رسم السيرورة التي تطورت بشكل بطيء من خلالها وأحدثت هذا الوقع.

فإذا قامت شخصية من شخصياتي بمقارنة فكرتين تنتميان إلى القرون الوسطى لكي تستنتج فكرة ثالثة أكثر حداثة، فإنها تكون قد قامت بما ستقوم به الثقافة لاحقاً. وإذا لم يكتب أي شخص أبداً ما قاله، فبالتأكيد سيكون هناك شخص آخر قد فكر في ذلك وإن بشكل ملتبس (حتى وإن لم يقل ذلك خوفاً أو حياءً).

وفي جميع الحالات، هناك شيء راقني كثيراً: كلما قال أو كتب ناقد أو قارئ أن شخصية من شخصياتي تشير إلى أشياء حديثة، إلا وأكون في واقع الأمر في هذه الحالات بالضبط قد أتيت باستشهادات من القرن الرابع عشر.

وهناك فقرات استمتع بها القارئ كثيراً وعدَّها من القرون الوسطى، في حين اعتبرتها أنا بشكل لاشرعي حديثة. والسبب في ذلك أن لكل قارئ فكرته الخاصة عن القرون الوسطى، وغالباً ما تكون هذه الفكرة غير صحيحة. نحن وحدنا، رهبان تلك الفترة، نعرف الحقيقة، ولكننا لو قلناها لأدى بنا ذلك رأساً إلى المحرقة.

خاتمة

لقد عثرت، سنتين بعد صدور الرواية، على بعض الملاحظات المؤرخة في 1953 : يستنجد هوراس وصديقه بالكونت «ب «من أجل حل لغز الشبح. الكونت «ب» شخص لطيف وغريب الأطوار وكسول. وبالمقابل هناك قبطان شاب ينتمي إلى الحرس الدنماركي يستعين بالوسائل الأميركية. تطور طبيعي للأحداث وفق الخطاطة التراجيدية. وفي المشهد الأخير، يفك الكونت «ب» اللغز بعد أن جمع أسرته: إن المجرم هو هاملت. لقد فات الأوان إن هاملت قد مات).

سنوات بعد ذلك، اكتشفت أن شارلستون كانت لديه فكرة شبيهة بهذه، ويبدو أن مجموعة الأوليبو (L»Oulipo37) قد قامت حديثاً ببناء خطاطة لكل الوضعيات البوليسية الممكنة واكتشفت أن ما تبقى هو كتابة كتاب: كتاب يكون فيه القارئ هو القاتل.

موعظة: هناك أفكار تمتلك علينا تفكيرنا وهي ليست أبداً أفكاراً شخصية، إن الكتب تتحدث فيما بينها، وسيكشف تحقيق بوليسي عميق أن المذنبين هم نحن

العدد 3158 - السبت 30 أبريل 2011م الموافق 27 جمادى الأولى 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً