العدد 3157 - الجمعة 29 أبريل 2011م الموافق 26 جمادى الأولى 1432هـ

الحفاظ على المكتسبات هو نتيجة ثقافة وتربية واقتناع

محمد عباس علي comments [at] alwasatnews.com

عضو سابق في مجلس بلدي المحرق

في الأسبوع الماضي حضرت ضمن من حضر عرس افتتاح ساحل قرية المالكية النموذجي، وذلك لرغبة جامحة في التعرف على هذا الساحل الذي بلاشك يعد حلماً كبير لأهالي المنطقة الكرام الذين انتظروه بفارغ الصبر، وكذلك رغبة في التعرف على الدور الذي لعبه القطاع الخاص في هذا المشروع. أضف إلى ذلك العديد من الأسباب الخاصة التي تتمحور في التعرف على الساحل ومحتوياته واسترجاع لأيام الصبا، حيث إننا أصحاب المناطق الساحلية (أهالي قريتي الدير وسماهيج) عشنا وترعرعنا على شواطئها، لم نعد نرى البحر، وحتى هذه اللحظة ليس لدينا ساحل خاص بنا، فالواقع الذي يعيشه أبناؤنا مخالف تماماً لما عشناه، حيث كان البحر يعني الحياة لنا بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى، ودائما ما تأخذني الذكريات إلى بستان عائلتنا (أو ما يسمى في أوساط أهل قرية سماهيج بدالية بيت مهدي) ذي النخيل الباسقات والعيون الطبيعية التي كان يفصلها فقط بضعة أمتار عن الساحل الجميل، حيث صور تلفزيون البحرين بعض الرقصات والأغاني التراثية هناك، والذي يحمل الكثير من الذكريات الجميلة من ممارسة مختلف الألعاب الشعبية المنتشرة في ذلك الوقت، على حبات رماله النظيفة التي لم تتدخل يد الإنسان في تلويثها، فضلا عن القيمة الكبيرة للبحر عند أهالي القرية، كونه مصدر الرزق الرئيسي لمعظمهم! وصدق الشاعر العربي الفذ أبوالطيب المتنبي حين قال:

ذِكرُ الصِبا وَمَراتِعِ الآرامِ

جَلَبَت حِمامي قَبلَ وَقتِ حِمامي

ولهذا الأمر حرصت على أخذ عائلتي معي، وخصوصاً الأطفال منهم رغبة في الإسهام ما أمكن إلى ذلك سبيلاً في الترويح عنهم، بمشاهدة البحر عن كثب!

هذا وبصفتي عضواً بلدياً، ولدي دعوة رسمية لحضور عرس الافتتاح، فقد استمعت للكلمات المختلفة التي ألقيت بالمناسبة، ورغم انشغالي تواردت إلى خاطري العديد من الأفكار المختلفة، أولها دور القطاع الخاص وإسهاماته الفعالة المختلفة في المشاريع التي تعني المواطن بصورة مباشرة، حيث إن مشروع ساحل المالكية النموذجي من إسهام عدة شركات محلية على رأسها شركة ألمنيوم البحرين ألبا، وهذا الأمر محبذ والمطلوب المزيد منه. وثانيها ما سيحول له أمر هذا الساحل بعد فترة وجيزة، فهل يا ترى سوف يبقى جميلاً ومحتفظاً بمرافقه الضرورية وينتفع منه الأهالي بمختلف فئاتهم العمرية؟ أم سوف يطاله التخريب، والإهمال، كما هو الحال مع معظم المشاريع الأخرى ذات الطابع العام كمشروع دوحة عراد، ذلك المشروع الذي أنفق عليه الكثير وأصبح تضرب به الأمثال في الجمال والإتقان؟

وبينما أنا غارق في أفكاري المختلفة، لاحت في الأفق بارقة أمل، حيث تمت الإشادة ضمن الكلمات التي ألقيت بالدور الكبير الذي قام به الفريق الأهلي المشكل من أهالي القرية لمتابعة إنشاء وصيانة الساحل! حينها تنفست الصعداء وأدركت أن الأمور تتجه إلى المسار الصحيح.

ففي اعتقادي أن المشاركة المجتمعية هي الحل الأمثل في المحافظة على المكتسبات المختلفة، فقد تكون للقوانين والأنظمة فعالية إلى حد ما، ولكنها جميعا لا تضاهي بأي شكل من الأشكال الإرادة المجتمعية. حين يكون الأهالي هم الحريصون على مثل هذه المشاريع الحيوية، ويعملون جنباً إلى جنب للمحافظة عليها، بل إلى تطويرها وتحسينها ما أمكن إلى ذلك سبيلا، تنجح هذه المشاريع وتحقق الغرض الذي أنشأت من أجله. لهذا أرى أن تكوين اللجنة الأهلية لهو أمر ذكي ولفتة جديرة بالوقوف عندها ملياً. فهناك مبدأ تربوي ونفسي في غاية الأهمية، وهو أنه متى ما شعر الفرد منا بإشراكه في الأمور التي تخصه فسوف تتعزز لديه وبشكل كبير أهمية إنجاح هذا المشروع أو ذاك، انطلاقا من مبدأ الشراكة بأن نجاح هذا الأمر (أو المشروع) هو نجاح لي كفرد في المقام الأول، وعليه فسوف أبذل قصارى جهدي في المحافظة عليه، بل والسعي إلى تحسينه! لهذا فإن تفعيل الشراكة المجتمعية (إدماج وتفعيل أدوار أفراد المجتمع) وخاصة الذين يعنيهم الأمر بالمقام الأول أي أهالي المنطقة، لهو من أهم مقومات المحافظة على المشاريع ذات الطابع المجتمعي.

ولكي تنجح هذه الشراكة المجتمعية وتؤتي أكلها، وجب إعطاؤها هامشاً كبيراً من الحرية البناءة في اتخاذ القرارات الخاصة بتطوير وتحسين هذه المشاريع، وأن تتجدد بها الدماء بشكل دوري، بمعنى ألا يقتصر الأمر بإشراك مجموعة من الناس بعينها لاعتبارات عشائرية مثلاً، أو أي اعتبارات أخرى، ويبقى هؤلاء قابعين في أماكنهم دون إشراك الأجيال الصاعدة، حيث تحدث فجوة الأجيال Generation Gap نتيجة لذلك، بل وجب أن يكون الأمر مشاعاً لكل من يريد المشاركة، بشرط تغليب المصالح العامة على المصالح الذاتية الضيقة، وأن يكون المعيار هو العطاء والتفاني في العمل.

وقد يقول قائل إن الأمر الذي تطرحه هو أمر نظري محض، لا يمكن تطبيقه في أرض الميدان، والواقع العملي الذي نعيشه مخالف لهذا الأمر برمته، فالكثير منا جبل على الأنانية وضيق الأفق، وتغليب المصالح الشخصية على المصالح العامة. أقول هذا صحيح، فنحن نعاني من أمراض مجتمعية كثيرة، وعليه فإن هذه الأمور لا يمكن أن تحدث بين ليلة وضحاها، بل هو نتاج لتربية تسهم فيها المدرسة بشكل أساسي. وهنا أدعو للنظر بشكل جدي ومدروس في مناهجنا الدراسية وخاصة فيما يتعلق بمنهج المواطنة، ففي اعتقادي أن هناك الكثير من الحشو والكلام النظري في هذه المناهج. علينا الولوج إلى أعماق الطلبة واستنهاض الجوانب الخيرة فيهم، كذلك لابد للمؤسسات الأخرى التي لا تقل أهمية عن المدرسة أن تلعب أدوارها الكبيرة مثل الأسرة ودور العبادة ومؤسسات المجتمع المدني الأخرى. فعندما تتضافر الجهود وتُستنهض الهمم يحدث التغيير البناء الذي هو الغاية وتحقق الأماني، ونكون بحق من متبعي هذا الدين الحنيف الذي يحضنا على التماسك والوحدة من أجل المصلحة العامة، فحين إذ نكون أمة الإسلام الحق الذين قال عنهم الباري عز وجل: «كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ».

إن المواطن الصالح الذي يقف في الساعات الأولى من الليل عند الإشارة الضوئية الحمراء، رغم عدم وجود أحد يراقبه، منتظراً لفترة من الزمن، حتى يحصل على دوره في العبور، قد آثر أن يعمل ذلك لإدراك ووعي عميقين بأنه بشكل مباشر أو غير مباشر قد ساهم في وضع هذه القوانين والأنظمة والتشريعات، وذلك من خلال ممثليه في المجالس البلدية والنيابية، فهذا لعمري لهو نتيجة ثقافة وتربية واقتناع راسخ، نحن بلاشك في حاجة ماسة إليه

إقرأ أيضا لـ "محمد عباس علي"

العدد 3157 - الجمعة 29 أبريل 2011م الموافق 26 جمادى الأولى 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً