بارك الله في شباب الأمة، هذا الجيل الأبيّ، الذي أبى الرضا باستمرارالذل والمهانة، ومعاملة الإنسان على أنه دابة أو جرثومة في أرض الحضارات والرسالات السماوية، وأبى أن تستمر الأحوال في هذه الأمة على ماكانت عليه، من التعامل مع المواطن وكأنه مخلوق في قطيع يتوارثه الطغاة أباً عن جد، لا رأي ولا مشورة ولا مشاركة ولا حرية ولا كرامة، وأبى أن يسكت على الظلم والفساد، وسرقة مقدرات وأموال منطقة تعتبر من أغنى مناطق الأرض، بينما تعيش الغالبية العظمى من مواطنيها تحت خط الفقر في ذل وتخلف وإقصاء وعبودبة، ويستمر نزيفها البشري هجرة ونزوحا طلبا للخلاص، كما استفاد من الثقافة العالية التي توفرت لمن أراد، في عصر العولمة والمعلوماتية، وجمهوريات الأمن المقامة في العوالم الانترنيتية.
لاينبغي ونحن نحيي هذا الشباب المتألق الشجاع المجاهد، الذي أدرك أدوات العصر ومفاهيم العصر وملابسات العصر، أن ننسى الفضل الكبير والضخم لمن سبقوه وعلموه وثقفوه، وأمضوا زهرة حياتهم، في الثبات على الحق، وتسليمه أمانة للأجيال اللاحقة، بعضهم قضى شطراً من عمره في سجون الطغاة، آخرون قضوا نحبهم تحت آلات التعذيب الرهيبة التي لاتعرف إنسانية ولاأخلاق، وفئة ثالثة أخرجت من أرضها راغمة أو مرغمة، فروا بما يحملون من أمانة، ماهانوا ولااثاقلوا وهم ينوئون بحملها يوما إثر يوم، وساعة بعد ساعة، على رغم الأعاصير والدياجير والأهوال التي انتابتهم في الطريق .
أجيال كاملة من القيادات البديلة، عملت السلطات الطاغية في مشارق المنطقة ومغاربها على استئصالها وإبادتها، كيما تبقى ملتصقة في كراسي الحكم، هي وأبناؤها وأبناء أبنائها إلى أبد الآبدين، أجيال كاملة من القيادات السياسية والفكرية والدينية، من الكتاب والمفكرين وأساتذة الجامعات والصحافيين وصناع الرأي، اجتُثت بكاملها من المجتمعات في المنطقة العربية، قتِّلت وذبُّحت، عُذبت وسُجنت، نفيت أو خرجت هائمة على وجهها بما تحمله من أمانة في أعناقها، وما إن استقر بهؤلاء المقام في أنحاء الأرض حتى بادروا باستئناف الدور الحضاري الثقيل الذي كان ملقياً على أعتاقهم جماعات أو أفراداً في تبليغ الأمانة للجيل اللاحق، وقد فعلوا .
لقد عاشت المنطقة العربية مرحلة انتفاضة الشعب الفلسطيني مابين القرنين، والتي جاءت نتيجة مباشرة للصحوة الإسلامية الشاملة التي شهدتها الأمة، والتحديات الكبيرة جدا التي واجهتها بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر في أرضها، ولدى الجاليات المهاجرة في الغرب، والتي تعد بعشرات الملايين، ولقد بدا واضحا للمراقب والباحث أن الشعوب في المنطقة العربية بدأت بتجاوز الحركات الإصلاحية بكل حساسياتها، الدينية منها والقومية والعلمانية، وشبّت عن الطوق، وذلك لما عانته هذه الحركات من عجز عن تطوير نفسها، وتجاوز أمراض الاستبداد التي أصيب بها الإنسان حاكماً ومحكوماً في المنطقة العربية، ولكن هذا الواقع لاينبغي أن يجعلنا ننكر الدور الأساسي والكبير جدا الذي لعبته، وخاصة الحركة الإسلامية في ميدان التربية الفردية والتنظيم الاجتماعي، والحركات العلمانية والقومية في ميادين الفكر والتنظير، في طول المنطقة وعرضها وفي المهاجر، في إيقاظ الضمير العام، والحض على تنمية إرادة التغيير، وتربية كثير جدا من العناصر التي أصبحت نهضة الأمة همها وهاجسها، مع الأخذ بعين الاعتبار ما أخطأت به كل منها وما أصابت.
كما لاينبغي أن ننسى الدور الهائل لصحوة الإعلام الناطق بالعربية، وخاصة في قطر التي تسلمت اللواء بعد القاهرة وبيروت، وكانت ولادة مؤسسة الجزيرة بكل قنواتها وخاصة الناطقة بالانجليزية، بدء عصر جديد للأمة، لأمة لاتقرأ، وفّرت لها القناة توعية كاملة بكل مايحدث في أرجائها، كما وفرت للغرب ولأول مرة في تاريخنا المعاصر صوتاً عربياً ناطقاً بلغته، قادراً على محاورته بما يفهم، وقد تماشى ذلك مع ولادة قناة «اقرأ» الاسلامية، التي لعبت في حينه دوراً لايقل أهمية عن دور الجزيرة الإخبارية، في نقل الثقافة والفكر الاسلاميين لمن لايقرأ من أمة اقرأ، ثم ولدت الكثير من القنوات الشبيهة، منها من استطاع أن يقوم بأدوار مشابهة كقناة الحوار والعربية والرسالة، ومنها الكثير من الغث الذي كان له أدوار تدميرية في مجال الفكر والدين والسياسة والمجتمع
العدد 3156 - الخميس 28 أبريل 2011م الموافق 25 جمادى الأولى 1432هـ