بعد أن كانت معرفة اسم «ليمان طرة» مقتصرةً على تلك القلة من المهتمين بمتابعة السياسة العربية، فإن الاسم أخذ يتصدّر وسائل الإعلام في الأسبوع الماضي، مع نقل أقطاب النظام المصري السابق ليقضوا فيه فترة الحجز والتحقيق.
وكالات الأنباء أخذت تذيّل تقاريرها الخبرية بنبذةٍ تاريخيةٍ عن هذا السجن القديم. ومجلة «فورين بوليسي» الأميركية اهتمت بتعريفه لقرائها بعد التحاق جمال وعلاء مبارك به، لينضما إلى بقية رموز النظام السابق، وعرّفته بأنه «أسوأ سجون مصر». ونوّهت إلى ما كان يجري داخله في الحقبة السابقة من أهوال وانتهاكات، أفضت إلى وفيات.
أول مرةٍ عرفتُ اسم «ليمان طرة» من خلال ديوان للشاعر أحمد فؤاد نجم قبل أكثر من ربع قرن، حيث كان يذيّل قصائده بمكان تأليفها، فكان بعضها باسم «سجن القناطر»، وبعضها باسم «الحربي»، وبعضها باسم «ليمان طرة».
عندما أذاعت قناة فضائية مصرية بتاريخ 22 أبريل، نقلاً عن مصادر طبية في مستشفى شرم الشيخ، أن الرئيس السابق حسني مبارك، أصيب بحالة اكتئاب شديدة وبكى خشية نقله إلى سجن طرة، أخذت أبحث عن كتب قد تسعفني بأسماء من دخلوه في عهده. ووجدت كتاب «مفكرون وقضبان» لحفني المحلاوي (تاريخ الشراء 15 أبريل 1997)، حيث يسرد حكايات لإحدى عشرة شخصية مصرية بارزة، غالبيتهم مرّوا عبر هذا السجن الرهيب.
تبدأ الحكايات الأولى مع الصحافي مصطفى أمين، فمحمود السعدني، ولطفي الخولي، وجمال الغيطاني، وصلاح عيسى، ومختار السويفي، وتنتهي مع نوال السعداوي ومحمد حسنين هيكل. وكلها أسماء لها وزنها في عالم الفكر والسياسة والأدب، على مستوى مصر والعالم العربي.
الكثير من هؤلاء كتبوا عن تجربة السجن، بل إن هيكل اعترف بأنه بدأ التفكير في كتابة «خريف الغضب»، منذ اللحظة الأولى لاعتقاله في 3 سبتمبر/ أيلول 1981، «حين رأيت حولي في السجن كل هؤلاء الذين يمثلون الرموز الحية لأهم التيارات السياسية والفكرية في مصر». والمفارقة أن هيكل الذي اعتقل فجراً، هو أول من استخدم عبارة «زوّار الفجر»!
في هذا الشهر (أبريل 2011)، صدر عددٌ خاصٌ من جريدة «أخبار الأدب»، تحت عنوان: «أدب السجون»، تناول تجارب وشهادات شخصيات أخرى، مثل الروائي صنع الله إبراهيم، والشاعر أحمد عبدالمعطي حجازي، ومحمد عفيفي مطر، ومحمود أمين العالم وفريدة النقاش، إضافة إلى نصوص أخرى لكتاب عرب مثل عبدالرحمن منيف والطاهر بن جلون. وهي أسماء من غير المنتمين إلى التيارات الإسلامية كما هو واضح، وإلا لأصبحت القائمة أضعافاً.
أدب السجون يتبرعم ويزدهر في البلدان التي تعاني من فقر شديد في الحريات، وانتهاكات واسعة لحقوق الإنسان، وكلما زاد منسوب الحرية قلّ هذا الفرع الحزين من الأدب، مع انتفاء الحاجة إليه كوسيلة تعبيرية، إلا ما دخل في باب التأريخ والتوثيق لتلك الحقب السوداء في أعمار الشعوب.
كان هذا الفرع مزدهراً في الغرب في القرون السابقة، وظلّ كذلك حتى وضعت الحرب العالمية أوزارها، ليبدأ نهضته الكبرى في الشرق، مع إعلان استقلال دول العالم الثالث، وتلك واحدة من أكبر مفارقات التاريخ
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 3153 - الإثنين 25 أبريل 2011م الموافق 22 جمادى الأولى 1432هـ