يقترب الحدث اليمني هذه الأيام وبصورة متسارعة من ساعة الحسم، بما قد يلحق اليمن بقاطرة التغيير الكبير الذي أطاح بالأوضاع السياسية السابقة في تونس ومصر.
بعد أقل من 24 ساعة من إعلان نائب وزير الإعلام ترحيب الرئيس اليمني بالمبادرة الخارجية التي تنص على تنحيه، ودعوته للتعاطي معها إيجابياً، عاد الرئيس أمس لينقض ما تم إبرامه، برفضه تسليم السلطة للمعارضة، إذ لا يجوز نقل السلطة إلا حسب مواد الدستور الذي ينظم عمليات نقل السلطة»! مع أن هذه السلطة لم تنتقل في اليمن إلا بالوراثة أيام حكم الإمام، أو عبر الحروب والانقلابات العسكرية في العهد الجمهوري!
الرئيس برّر تراجعه السريع عن قبول المبادرة بقوله إنه لن يتنحى عن السلطة إلا من خلال تنظيم انتخابات عامة، فتنحيه يعني ببساطة تسلم «الانقلابيين» زمام الحكم. كما أن هناك محاذير دستورية وقانونية كبيرة جداً، تمنع تسليم السلطة للآخرين، ولعل الإشكال الأكبر أن نقل السلطة يجب أن يتم عبر صناديق الاقتراع كما يحدث في الدول الديمقراطية العريقة في أوروبا ودول المحيط الباسيفيكي وحتى الدول الاسكندنافية! وفي هذه الحالة يجب تشكيل لجنة عليا للإشراف على نزاهة الانتخابات وشفافية نتائجها لضمان عدم حدوث تزوير، ولا يتم نقل السلطة عن طريق الاعتصامات في الشوارع حتى ولو شارك فيها ثلاثة أرباع الشعب لأكثر من ثلاثة أشهر. وجدّد الرئيس تمسكه الراسخ والأكيد بالدستور والشرعية الدستورية.
المبادرة التي اعتبرها الكثير من اليمنيين خطة مفصّلة لإنقاذ الرئيس، قضت بأن يسلّم السلطة إلى نائبه بعد شهر واحد، مقابل حصانة تامة من الملاحقة القانونية. وتضمنت ديباجتها التبشير بانتقال السلطة بطريقة سلسة وآمنة تجنّب اليمن الانزلاق للفوضى والعنف، مع التزام الأطراف كافة بإزالة عناصر التوتر، ووقف كل أشكال الانتقام والمتابعة والملاحقة، بتقديم ضمانات وتعهدات موثقة.
من الناحية التنفيذية، يكلّف الرئيس المعارضة بتشكيل حكومة وفاق وطني خلال أسبوع، بنسبة 50 في المئة لكل طرف، ما يضمن بقاء هيمنته على الحكومة. في اليوم التاسع والعشرين يقر مجلس النواب الحكومي القوانين التي تمنح الرئيس وأركان حكمه الحصانة من الملاحقة القانونية والقضائية. وفي اليوم الثلاثين يقدّم الرئيس استقالته لمجلس النواب ليصادق عليها، ومن ثم يصبح نائبه رئيساً شرعياً بعد مصادقة المجلس، ومن ثم يدعو لانتخابات رئاسية في غضون ستين يوماً، وكل ذلك بموجب الدستور والمواد الدستورية، وبمباركة تامة من البرلمان الذي سيبصم على كل ما يطلب منه.
لقاء الأحزاب المشترك الذي رفض في الأسابيع السابقة فكرة منح الرئيس حصانةً من المحاكمة، عاد ليقبل المبادرة الأخيرة، وهو موقفٌ أثار امتعاض شباب الثورة، فردّدوا في ساحة التغيير بصنعاء شعارات «ثورتنا ثورة شباب... لا حزبية ولا أحزاب». وأعلنت اللجنة التنظيمية لشباب الثورة رفضها لأية مبادرة لا تنص على تنحي الرئيس فوراً «ودون قيد أو شرط»؛ وتقديم الضالعين بمقتل مئات المحتجين للعدالة. ودعت اللجنة المعتصمين إلى عدم الالتفات لأية مبادرة أو تسوية سياسية تطيل عمر النظام.
اليمن وهو يدنو من ساعة الحسم، يؤكد مرةً أخرى ما أثبتته بلدان عربية أخرى، من أن هذه المرحلة مرحلة ثورات الشباب، التي تجاوزت الأحزاب التقليدية وجعلتها تلهث وراءها، بعد أن أنزلتها من الصوامع إلى الشوارع
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 3152 - الأحد 24 أبريل 2011م الموافق 21 جمادى الأولى 1432هـ