العدد 3152 - الأحد 24 أبريل 2011م الموافق 21 جمادى الأولى 1432هـ

الإعلام الرسمي البحريني فوجئ بالأحداث... والحوار ضروري بعد استتباب الأمن

بارعة علم الدين في لقاء مع «الوسط»:

اعتبرت الإعلامية والكاتبة بارعة علم الدين، أن الإعلام الرسمي البحريني والشعب البحريني بأكمله فوجئ بالأحداث التي شهدتها البحرين في الآونة الأخيرة، مؤكدة أهمية الحوار بين مختلف الأطراف البحرينية بعد استتباب الأمن والاستقرار في البلاد.

وأكدت علم الدين، في مقابلة أجرتها مع «الوسط»، على هامش مشاركتها بمحاضرة في مركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة بالمحرق، على دور الإعلام في التأثير على الثورات العربية التي شهدتها كل من تونس ومصر وليبيا، مشيرة إلى أن بعض وسائل الإعلام كانت تدير الأحداث وتعطي النصائح بشأنها.

وفيما يأتي نص المقابلة التي أجرتها «الوسط» مع علم الدين:

هل صحيح أن الإعلام كان سيد الموقف في الثورات التي شهدتها دول عربية، كتونس ومصر وليبيا؟

- الإعلام كان له تأثير كبير جدا، وكان من الملاحظ أن بعض وسائل الإعلام العربية لم تكن تغطي الثورات فقط، وإنما كانت تديرها وتعطي نصائح بشأنها، وكان لها دور أكبر من نقل الحدث بواقعية، كما لفت نظري في بعض وسائل الإعلام العربية أنها كانت تقوم بتغطية شاملة وجيدة للأحداث الواقعة على الأرض.

وفي ثورة تونس، كان من الملاحظ أن الإعلام الدولي لم يولها الاهتمام اللازم إلا بعد مضي نحو شهر على بدئها، وكان الإعلام العربي سباقاً على الإعلام الدولي في تغطيتها إلى حد ما. ولكن يمكن القول إنه كان هناك تفاوت في تغطية الثورات، ففي مصر، على سبيل المثال، كان الإعلام سريعاً جداً في تسليط الأضواء على الثورة التي شهدتها، وربما يكون الإعلام قد تعلم مما حدث في الثورة التونسية، ناهيك عن كون مصر بلداً استراتيجياً ذا موقع مهم جداً، إن لم يكن أهم بلد عربي، وكذلك لتوقيعها اتفاقية السلام مع «إسرائيل».

ولا أدل على ذلك من اهتمام شبكة إخبارية مثل الـ «بي بي سي» بإرسال نحو 10 مراسلين لتغطية الثورة المصرية، والأمر نفسه ينطبق على عدة صحف ابتعثت أكثر من مراسل لتغطية الأحداث المصرية.

وكان الأمر الممتع الذي لم نتعود عليه في السابق، هو دخول العامل الإلكتروني في الأحداث الأخيرة، من خلال ما يسمى بالـ»i- reporter»، ودخل عاملان مهمان جداً هما الـ»تويتر» و»الفيس بوك»، وهو الأمر الذي خلق بطريقة ما معلومات واسعة وكبيرة، ولكن في الوقت نفسه، لم تكن بعض الصور والفيديوات التي تبث عبر هذين الموقعين دقيقة أو صحيحة، وهذا كان الإشكال، ولذلك يجب على الصحافيين المعنيين بتغطية هذه الأحداث اعتماد الأساليب الكلاسيكية، والتواجد في موقع الحدث لنقل مجريات الوقائع فيه بدقة وموضوعية، لأن من ينشر الأخبار عبر «تويتر» أو «فيس بوك»، ربما يكون شخصاً مندساً من جهات معينة.

وكان لافتاً خلال وجودي في البحرين، أن الإعلام الغربي لم يكن يغطي الأحداث البحرينية بشكل شامل، وإنما كان التركيز في التغطية على أماكن وجود المحتجين، ومعظم الصحافيين والمراسلين الأجانب لم يعطوا البعد الإقليمي للحدث البحريني حقه، وعلى سبيل المثال، لم يهتم الإعلام الأجنبي كثيراً بتغطية تجمع الوحدة الوطنية من قبل العديد من وسائل الإعلام الأجنبية والإقليمية، ومن الطبيعي أن كل شخص لديه توجهاته وآراؤه الخاصة بشأن الأحداث، بما فيهم الصحافيون، إلا أن الصحافيين يجب أن يكونوا متجردين قدر المستطاع من عواطفهم الخاصة في تغطية الأحداث، وإلا فإن نقل الحدث من منظور الصحافي الشخصي يجب أن يتم عبر كتابة مقال رأي.

كما أن الكثير من الصحافيين والمراسلين الأجانب الذين غطوا دخول قوات درع الجزيرة إلى البحرين، لم يكونوا مدركين تماماً ما تعنيه هذه القوات، ولم يفتش أحد عن معلومات تتعلق بقوات درع الجزيرة ولماذا دخلت وبأي حق، ووصفها البعض بأنها قوات احتلال، وهي عكس ذلك تماما فهي قوات صديقة، ودخلت بناء على طلب البحرين.

وكان من الواضح أن بعض البحرينيين كانوا متألمين جداً بسبب سوء تصوير ما حدث في البحرين، وتغطية الأحداث من جهة واحدة أساءت للبحرينيين الآخرين الذين اعتبروا أنهم لم يتم الأخذ بآرائهم وتغطية أحداثهم.

وكذلك فإن بعض القنوات الأجنبية بعثت من أساءوا للتغطية الإعلامية لبعض الثورات العربية، وبعض القنوات التلفزيونية لم تكن تملك الكادر الإعلامي الكافي لتغطية هذه الأحداث، وهذا ما حدث في الثورة المصرية، حين أرسلت بعض القنوات الأجنبية طواقم إعلامية لا تعرف ولا تفهم بعمق المعادلة المصرية.

وفي ليبيا قبل الصحافيون الأجانب الذهاب لطرابلس الغرب، على رغم القيود التي يفرضها عليهم نظام الرئيس الليبي معمر القذافي، إذ يُشترط مرافقتهم من قبل مندوبين عن وزارة الإعلام.

فالتغطية الإعلامية للثورات العربية لم تكن متوازية، ولم تكن عادلة في بعض الأوقات، وفي أوقات أخرى كانت ناقصة وبعضها مضللة.

ولكنني أؤكد مجدداً على أهمية الحرية الصحافية، وفي البحرين كان هناك نحو 102 صحافي أجنبي، في وقت من الأوقات، وحين علقت الأمور في ليبيا غادر الصحافيون البحرين إلى ليبيا.

في رأيك، من كان يقود من، الإعلام أم الثورة؟

- لا يمكن للإعلام أن يقود ثورة، وإنما الإعلام يمكن أن ينشر آراء وأفكار الثورة، ويغطي أو ينشر صور الثورة، ولكن الثورة يتم تنظيمها من قبل الناس، غير أن هذا لا ينفي أن الإعلام له دور كبير في الثورات العربية، وفي أوقات كان مضللاً، وأوقات أخرى كان يفرض رأيه الخاص، وفي بعض الأحيان كان من الواضح أن بعض وسائل الإعلام كانت تكذب بطريقة مغرضة للغاية، وكان واضحاً أن بعض المصادر الإعلامية المكتوبة أو المرئية كانت تبث وتنشر أخباراً خاطئة مئة في المئة وذلك لتلبية أجندات سياسية، وأعتقد أن هذه الوسائل تسيء لصدقية الإعلام بشكل عام.

في تصريح سابق لك، أشرت إلى أن بعض إعلامنا العربي متشرذم وغوغائي إلى حد كبير وينتمي لتيارات سياسية وعقائدية ومذهبية، وبالتالي يفتقد الكثير من الصدقية، فهل ترين أن هذه الانتماءات السياسية والعقائدية والمذهبية لعبت دوراً في نقلها لهذه الثورات؟

- نعم، مثل هذا الإعلام أثر على آلية نقل هذه الثورات بنسبة مئة في المئة، لأن هذه الانتماءات كانت لها وسائل إعلامية، واستغلتها من أجل فرض أجندتها الخاصة، في حين أنه كان من الحري بوسائل الإعلام أن تكون مجردة ودقيقة وصادقة في نقلها للمعلومة وتغطيتها للأحداث.

وكان واضحاً أن بعض وسائل الإعلام كانت تغطي بصورة أفضل من غيرها، لأنها تمتلك قدرات مادية وكوادر إعلامية كافية، مكنتها من أن تبدع في تغطيتها للأحداث، وخصوصاً في مصر وتونس.

البعض كان يشكك في ما تبثه القنوات الفضائية تبعاً لانتماءاتها بشأن الثورات العربية، وكان يعتمد على الإعلام الاجتماعي الإلكتروني كوسيلة أكثر صدقية، فما تعليقك على ذلك؟

- يجب على الجميع تحري الدقة في أخذ المعلومة من مصدرها الحقيقي، وأنا هنا أقصد الصحافي خصوصاً الذي لا يجب أن يعتمد على «تويتر» أو «فيس بوك» في الحصول على المعلومة الخبرية، فكيف يمكن له التأكد من أن من ينشر الخبر على أي من الموقعين هو شخص غير مدسوس؟.

كما أن أفلام الفيديو المتعلقة بأحداث الثورة التي كانت تُبث على «الفيس بوك» كان بعضها مفيداً لأنه ينقل واقع الحدث، والبعض الآخر كان مغرضاً، ومثل هذه الأفلام من الممكن أن تشكل عاملاً مساعداً لفهم الأحداث في سورية التي تفتقر للإعلام الحر المتوافر في دول عربية أخرى.

ولكن يجب التأكيد مجدداً على أن الصحافي ذا الصدقية في نقل الخبر هو الذي يعتمد على الأساليب الكلاسيكية، لأن الصحافة دائما تعمل ضد الوقت ولها طابع سريع.

برأيك ما هي أوجه التشابه بين الثورات العربية، أم أنك ترين أن لكل دولة خصوصية تختلف عن الأخرى؟

- كل بلد كانت لها خصوصية، والمهم أن تأتي نتائج هذه الثورات كما يريدها أصحابها، فمن السهل القيام بالثورات، ولكن من الصعب الحصول على النتائج المرجوة.

وأنا لست ضد الديمقراطية وتحقيق المطالب للعالم والناس والقضاء على الفساد، ولكن علينا إذا كان هناك مجال لتحقيق هذه المطالب أن ندعو إليها بسلمية، وخصوصاً بعد حالات الدمار والقتل التي شهدتها دول عربية.

ماذا عن تقييمك لتغطية الإعلام الرسمي في كل من مصر وتونس وليبيا للأحداث التي شهدتها على أراضيها؟

- من المعروف أن الإعلام العربي في هذه البلدان الثلاثة هو إعلام رسمي، ومن الواضح والمعلوم أن حدود الحرية في مصر كان أكثر من تونس وليبيا قبل الثورة ولكن بعد انهيار النظامين المصري والتونسي، تغير الإعلام في مصر وتونس بين ليلة وضحاها، بل أن بعض الزملاء الصحافيين في مصر، كانوا مضطرين لتغيير مناصبهم، وبالتالي هذه الأنظمة كانت ثلاثتها لديها.

ولكن يجب ملاحظة أن الإعلام في طرابلس كان يختلف كثيراً عن الإعلام ببنغازي، والتقارير الإعلامية التي تخرج الآن بعد تحرير بنغازي تكشف عن تغير الأوضاع فيها وأصبحت ذات صدقية ودقيقة، لأن الثوار الليبيين لا يقعمون الصحافيين الأجانب، أما التقارير التي تخرج من طرابلس، فإن المراقبين والصحافيين الموجودين لا يستطيعون تغطية الأحداث فيها كما يريدون.

كيف ترين تعاطي الإعلام العالمي والعربي مع الأحداث التي شهدتها البحرين أخيرا؟

- الإعلام الرسمي البحريني فوجئ بالأحداث الأليمة التي شهدته البحرين، وكذلك البحرينيون أنفسهم، ولم يكن الإعلام مستعدا بعد للتعاطي مع الأحداث.

صحيح أني لم أتابع الإعلام البحريني عن كثب، وإنما كنت أتابع الإعلام العالمي والعربي لمعرفة الأحداث التي تشهدها البحرين، ولكنني أرى أن الإعلام البحريني بحاجة إلى نقلة نوعية تطورية لتغطية الأحداث بشكل أفضل وأوسع وأعمق، لأن ذلك يفيد البحرين، وبحسب ما فهمت أنه الآن يتم استحداث برامج لتطوير الإعلام البحريني الرسمي ونأمل أن يتم ذلك بسرعة.

أما الإعلام العربي فكان إعلاماً له أجندات تابعة لأفكار وأنظمة معينة، وكان الإعلام العربي نشطاً جدا وبعضه لديه صدقية، إلا أن بعض الوسائل الإعلامية العربية والإقليمية تطلق أكاذيب كانت تسيء إلى الإعلام والحقيقة بشكل عام.

وفي البحرين، كان من الواضح أن الإعلام الغربي ركز على جانب دون الآخر، وبعضهم لم يكن لديهم معرفة حقيقية بالأوضاع البحرينية أو المجتمع البحريني أو الأبعاد الإقليمية المتعلقة بالأحداث، وتم الحديث عن درع الجزيرة من دون معرفة الأنظمة الخليجية وواقع مجلس التعاون الخليجي.

مازال عدد من الأطراف يدعو إلى تفعيل الحوار في البحرين، فما تعليقك على ذلك؟

- لا يمكن أن يبدأ حوار صادق وحقيقي قبل أن يستتب الأمن نهائياً وبشكل مطلق في البحرين، وبعدها لابد أن تنطلق العملية السياسية ويبدأ الحوار من المنطلقات الوطنية الصادقة التي تأخذ في الاعتبار دستور وقوانين مملكة البحرين، ووجود البحرين ضمن منظومة دول مجلس التعاون الخليجي.

وكإنسانة محبة مخلصة للبحرين، أتمنى وأدعو أن تعود البحرين لتحتل مكانتها في عالم التطور والحضارة والمحبة ومحيطها العربي.

وأنا أعرف أن الشعب البحريني وبكل ما يمثله من أطياف، قادر على تجاوز هذه المرحلة، وآمل أن يتعلم الجميع من الأخطاء التي صدرت خلال الفترة الماضية

العدد 3152 - الأحد 24 أبريل 2011م الموافق 21 جمادى الأولى 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً