في اطار المشروع الذي قدمه الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان، والذي اعده ما يعرف بفريق الحكماء تحت عنوان، «اجندة للقرن الواحد العشرين» والذي جرى اقراره من قبل قمة الدول الاعضاء للامم المتحدة في جمعيتهم العمومية والذي عقد في نيويورك في سبتمبر/ أيلول 2005، لحظ المشروع اصلاح هيئة حقوق الانسان، ومقرها جنيف، والتي تجتمع كل عام في مارس/ آذار - ابريل/ نيسان لمدة 8 اسابيع لكنها عندما اجتمعت هذا العام فقد عقدت جلسة الافتتاح فقط وتقرر أثناءها إلغاء الدورة، فماذا حدث يا ترى؟
هيئة حقوق الانسان مالها وما عليها
تعتبر هيئة حقوق الانسان ومقرها جنيف الاهم من مؤسسات الامم المتحدة المعنية بحقوق الانسان. تتشكل الهيئة من 53 دولة عضو في الامم المتحدة، ويجري انتخابها من قبل المجلس الاقتصادي والاجتماعي للامم المتحدة، بحيث تعكس عضوية الهيئة المناطق الجغرافية الخمس للامم المتحدة وهي (1. أوروبا الغربية وأميركا الشمالية، 2. أوروبا الشرقية، 3. أميركا اللاتينية، 4. افريقيا، 5. آسيا والباسفيك). العضوية لاربع سنوات ويجري تجديد نصف الاعضاء كل سنتين.
تعتبر الهيئة الجهاز الاساسي المعني بحقوق الانسان في نظام الامم المتحدة فمنها تنبثق التشريعات والاتفاقات والمعاهدات المتعلقة بحقوق الانسان، قبل ان ترفع الى المجلس الاقتصادي والاجتماعي والذي بدوره يرفعها إلى الجمعية العامة لاقرارها. والهيئة هي المعنية بمراجعة سجل جميع الدول الاعضاء في الامم المتحدة فيما يتعلق بحقوق الانسان، والاستماع الى تقارير المقررين والخبراء الذين تعينهم كمسئولين عن قضايا أو بلدان محدودة، والهيئة هي التي تصدر قرارات وتوصيات بشأن قضايا معينة أو بلدان معينة. وكانت الهيئة تجتمع لمدة 8 اسابيع في مارس وابريل من كل عام في جنيف إذ تدرس ما يقارب من 28 بندا على جدول اعمالها.
وإلى جانب الدول الاعضاء، هناك باقي أعضاء الامم المتحدة المراقبين، ومنظمات الامم المتحدة المعنية، والمنظمات الدولية والاقليمية ومنظمات حقوق الانسان الدولية والاقليمية والوطنية وتعتبر جمعيها مراقبة، وتشارك جزئيا في اعمال هيئة حقوق الانسان. وقد اسهمت هيئة حقوق الانسان في تعزيز وحماية حقوق الانسان الذي يتوافر للبشرية اليوم تراث مهم وانجازات لا تنكر يمكن الاستناد اليها لتحقيق المزيد من الانجازات ومعالجة الكثير من الثغرات والتصدي للمشكلات.
لكنه لوحظ منذ قيام الهيئة في ظل الحرب الباردة وكذلك في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، وهيمنة الولايات المتحدة على العالم، ان عضوية اللجنة وقرارتها مسيسة. ولذلك فمن تجري ادانته من الدول ليس الاسوأ سجلا في مجال حقوق الانسان ومن يجري السكوت عنه من الدول ليس الأفضل سجلا في مجال حقوق الانسان.
الملاحظ انه تشكلت في الهيئة تكتلات مثل تكتل الدول الغربية وتكتل الدول الاشتراكية سابقا، وتكتل عدم الانحياز، وتكتل الدول الاسلامية، وتكتل الاتحاد الأوروبي. وغالبا ما تسعى هذه الكتل الى حماية اعضائها من الادانة، او اجراءات الرصد، كما انه تجري عادة صفقات وتحالفات لا مبدئية سواء في اتخاذ اجراء ما يستهدف دولة بعينها او تجنيب دولة ما هذا الاجراء. وينطبق ذلك على صوغ التشريعات والاتفاقات.
اما الظاهرة السلبية الاخرى فهي استمرار عضوية الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا والمملكة المتحدة والصين، بشكل دائم خلافا لمبدأ تداول العضوية. بحيث اضحى هناك ما يشبه سيطرة الدول الكبرى على الهيئة.
من ناحية أخرى فان منظمات حقوق الانسان الدولية والاقليمية والدولية تشكو من تهميش دورها، المحصور حاليا على الحضور، وتقديم المداخلات المكتوبة والشفوية واحيانا تشترك في صوغ مسودات التشريعات، لكنها لا تشترك في النقاشات والتصويت وطبعاً لا تشترك في المداولات التي يتمخض عنها اتخاذ القرارات.
إصلاح الهيئة بأي اتجاه لخط مشروع إصلاح الامم المتحدة، اصلاح هيئة حقوق الانسان واقتراح تشكيل مجلس حقوق الانسان، بحيث يكون اكثر صداقة وفاعلية في تعزيز وحماية حقوق الانسان وقد جاء مشروع الاصلاح ما يأتي:«لقد ادى تآكل صداقة اللجنة وكفاءتها المهنية إلى تقويض قدرتها على اداء مهماتها في السنوات الاخيرة. والدول التي ليس لديها التزام ثابت بتعزيز حقوق الانسان وحمايتها لا يمكنها وضع معايير لتعزيز تلك الحقوق. ومن الامور التي تثير قلقنا ان دولا طلبت في السنوات الاخيرة الانضمام إلى عضوية اللجنة لا لتعزيز حقوق الانسان بل لحماية نفسها من النقد او لانتقاد آخرين. لا يمكن ان تكون اللجنة ذات صداقة اذا كانت في نظر الناس تكيل بمكيالين في التصدي للشواغل المتعلقة بحقوق الانسان». ولهذا فان اصلاح هذه الهيئة امر ضروري لجعل نظام حقوق الانسان يسير بصورة فعالة .
ونحن نؤيد الجهود التي بذلها الأمين العام ومفوض الامم المتحدة السامي لحقوق الانسان حديثاً لضمان دمج حقوق الانسان في جميع اعمال الامم المتحدة، ودعم انشاء مؤسسات داخلية قوية لحقوق الانسان، وخصوصاً في البلدان الخارجة من الصراعات وفي سياق محاربة الارهاب وينبغي للدول الاعضاء توفير الدعم الكامل للامين العام والمفوض السامي في هذه الجهود.
ومسألة العضوية هي، اصعب المسائل المتصلة بلجنة حقوق الانسان واكثرها حساسية، وأصبحت في السنوات الاخيرة مسألة انتخاب أي دولة لعضوية اللجنة مصدر توتر دولي محموم، لم تكن له آثار ايجابية على حقوق الانسان وكان له تأثير سلبي على اعمال اللجنة، وليست هناك فرصة تذكر لان تؤدي المقترحات المتعلقة بمعايير العضوية إلى تغيير هذه الديناميات بل انها تنطوي على خطر زيادة تسييس المسألة. وبدلا من ذلك، فاننا نوصي بزيادة اعضاء لجنة حقوق الانسان لتصبح ذات عضوية عالمية. ومن شأن ذلك ان يؤكد ان جميع الاعضاء ملتزمون بموجب الميثاق بتعزيز حقوق الانسان وقد يساعد في العودة الى تركيز الانتباه على المسائل الجوهرية بدلا من التركيز على من ينبغي له مناقشتها والتصويت عليها.
وقد كانت اللجنة في النصف الاول من تاريخها تتألف من رؤساء وفود كانوا اطرافا فاعلة رئيسة في ميدان حقوق الانسان وكانوا يتمتعون بالمؤهلات المهنية والخبرة اللازمة للعمل في مجال حقوق الانسان. وقد انتكست هذه الممارسة منذ ذلك الحين. ونعتقد انه ينبغي العودة بها الى سابق عهدها، ونقترح ان يكلف جميع اعضاء لجنة حقوق الانسان شخصيات بارزة وخبيرة في مجال حقوق الانسان بترؤس وفودها.
كما نقترح ان تتلقى لجنة حقوق الانسان في عملها الدعم من مجلس او فريق استشاري. على ان يتألف هذه المجلس أو الفريق من 15 عضوا تقريبا من الخبراء المستقلين (3 من كل منطقة مثلا)، يعينون بحسب مهاراتهم لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة. وتقوم اللجنة بتعيينهم بناء على اقتراح مشترك من الأمين العام والمفوض السامي. وإلى جانب تقديم المشورة بشأن المسائل الخاصة بكل بلد على حدة، يمكن للمجلس او الفريق اسداء المشورة بشأن ترشيد بعض الولايات المواضيعية ويمكنه ان يقوم هو نفسه ببعض الولايات الحالية المتصلة بالبحوث ووضع المعايير والتعاريف.
انطلاقا من ذلك طرحت بعض الدول مثل سويسرا، ومنظمات حقوق الانسان ومنظمة مراقبة حقوق الانسان ومنظمة العفو الدولية، رؤيتها لمشروع الاصلاح إذ تمحورت الاراء حول القضايا الآتية:
المقترح السويسري: تعود جذور فكرة تشكيل مجلس لحقوق الانسان بدلا من هيئة حقوق الانسان الى بدايات العام 2003، وتحديداً الى الدراسة التي اعدها بتكليف من وزارة الخارجية السويسرية، الاستاذ الجامعي المرموق في القانون الدولي - الممثل الشخص الحالي للأمين العام للامم المتحدة المعني بالمشردين داخليا فالتر كالين. والسبب يعود حسب وجهة النظر السويسرية الى العوائق التي تواجهها هيئة حقوق الانسان والتي ادت الى شل قدرتها على القيام بعملها بصورة فعالة.
عقب ذلك وفي سبتمبر 2004 التقت وزيرة الخارجية السويسرية ميشلين كالمي راي مع اعضاء لجنة الاصلاح التي عينها الامين العام للامم المتحدة، وكشف اللقاء عن انشغال مجلس الأمن بقضية توسيع عضويته وادى في الواقع إلى اهماله لمسألة دعم حقوق الانسان. لذلك عمدت سويسرا الى التقدم بمقترحها بصفة رسمية للامين العام عبر ممثلها في نيويورك السفير الجديد بيتر ماورر. واشترك معها في الحوار بشأنه عدة دول، منها كندا والنرويج والدنمارك وبريطانيا والتشيك وبولندا. وعبر بيتر عن أمله في ان تؤديتلك الخطوة الى تحريك مسار الحوار بشأن لجنة حقوق الانسان من جديد، كما قال لصحيفة «التاجز انزايجر» الناطقة بالالمانية.
المقترح السويسري يتضمن ثلاثة بدائل:
يدعو المقترح السويسري إلى استبدال هيئة حقوق الانسان التي يوجد مقرها في جنيف بمجلس جديد يتمتع بثقل شبيه بالثقل السياسي لمجلس الأمن أو الجمعية العمومية للامم المتحدة. ويتقدم المشروع السويسري بثلاثة بدائل يمكن من خلالها تأسيس المجلس الجديد:
البديل الاول: يدعو الى انشاء مجلس صغير لحقوق الانسان، يتراوح عدد اعضائه بين 15 و25 عضوا، ويمكن دعوة المجلس الى الاجتماع في اي وقت، وهو ما يوفر له ميزة السرعة والفعالية في اتخاذ ردود الفعل تجاه الانتهاكات التي قد تقدم عليها اية دولة. الجانب السلبي في هذا الخيار يتلخص في انه لا يمكن تمثيل كل دول العالم في المجلس المقترح لذلك فإن عضويته ستقتصر على خبراء في مجال حقوق الانسان.
البديل الثاني: انشاء مجلس يتكون من 50 إلى 60 عضوا يشبه الى حد كبير المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للامم المتحدة، ويتولى تمثيل الدول المعنية مندوبون عنها. اما الجانب السلبي في هذا البديل فيتمثل في قلة عدد الخبراء الممثلين فيه.
البديل الثالث والاخير: يتخذ من الجمعية العامة للامم المتحدة انموذجا له. اذ يدعو الى تمثيل جميع دول العامل الـ 191 فيه، والى تكليفه بمهمة التوصل الى معاهدة دولية ملزمة في مجال حقوق الانسان.
الجانب السلبي في هذا البديل يتمثل في انه سيكون عرضة للتعقيدات والموازنات السياسية والمصالح الاقتصادية التي ادت الى شلل عمل المفوضية ولجنة حقوق الانسان الحالية نفسها.
التحرك السويسري
وزارة الخارجية السويسرية دعت في تاريخ 2 مايو/ أيار 2005 بمدينة لوزان إلى اجتماع ضم ممثلين عن ستين دولة على مستوى السفراء من بينهم (سورية وقطر من الوطن العربي)، غالبية الدول الغربية، روسيا، اليابان، الفلبين، ودول أميركا اللاتينية وافريقيا، وغياب الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا والصين لمناقشة إصلاح الأجهزة المكلفة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة.
وزيرة الخارجية السويسرية ميشلين كالمري أشارت الى الضرورة الملحة لـ «تعزيز عمل الامم المتحدة ودفع المشروع الاصلاحي للأمين العام»، وأشارت إلى تأييد سويسرا لانشاء مجلس لحقوق الانسان سواء في شكل جهاز رئيسي للامم المتحدة أو جهاز مساعد أعلى من المفوضية السامية لحقوق الانسان الحالية.
واوضحت كالمري أن أعضاء المجلس يجب ان ينتخبوا من قبل الجمعية العامة، من دون معايير قبول (الترشيحات) بل بتشجيع الدول على التعبير عن التزاماتها على أساس طوعي «واضافت ان حجم المجلس يجب ان يكون واسعا بما فيه الكفاية لضمان شرعيته، وضيقا بما فيه الكفاية لضمان فعالية أعماله، ويجب أن يكون هذا الجهاز دائماً، وان يتخذ جنيف مقرا له وان يلتئم بشكل دوري».
المندوب السويسري لدى الامم المتحدة بجنيف السفير بليز غودي أوضح أن الاجتماع اتاح للحكومة السويسرية شرح وجهة نظرها، بشأن إصلاح المنظومة الدولية ورغبتها في القيام بدور الميسر ومراقبة تأثيرات الاصلاحات على جنيف. وان عددا من الدول اقتنعت بمشروع الاصلاح، منوها إلى أن الاتفاق بشأن التفاصيل هو الذي يطرح المشكلة الحقيقية، والوصول إلى اتفاق مازال بعيد المنال. وعن غياب الولايات المتحدة، بريطانيا والصين، أوضح السفير السويسري أن واشنطن ولندن تعتقدان ان النقاشات بشأن الاصلاح يجب ان تجرى في نيويورك بهدف الحفاظ على التناسق بين مختلف الملفات وخصوصاً توسيع مجلس الأمن.
من جانبه أوضح رئيس قسم حقوق الانسان بالخارجية السويسرية وولفغانغ برولارت ان نحو 15 دولة من أصل الدول الستين التي حضرت اجتماع لوزان أعربت عن شكوك قوية بشأن مشروع الاصلاح.
فريق العمل التابع إلى لجنة حقوق الانسان
الدورة السابقة لهيئة حقوق الانسان قررت في ختام اعمالها بتاريخ 22 ابريل 2005 انشاء فريق عمل برئاسة رئيس الدورة 61 للجنة حقوق الانسان السفير الاندونيسي ماراكيم فيبيسونو، وعقد أول اجتماع له بجنيف في يونيو 2005 بهدف بحث توصيات الأمين العام. وتواصلت المناقشات بشأن اصلاح المنظومة والدور المرتقب لمجلس حقوق الانسان خلال اجتماعات المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع إلى الامم المتحدة، واعمال الدورة الحالية للجمعية العامة بنيويورك.
ان مشروع فالتير كالين (السويسري) الذي تبناه عنان الخاص بانشاء مجلس لحقوق الانسان بمستوى مجلس الأمن نفسه يحل محل هيئة حقوق الانسان، مازالت تعقد مشاورات بشأنه من حيث التشكيلة، اليات الانتخاب، وفترات ومكان الاجتماعات، والعلاقة بينه وبين كل من المجلس الاقتصادي والاجتماعي واللجنة الفرعية لحماية وتعزيز اعمال حقوق الانسان واللجنة الثالثة التابعة إلى الجمعية العامة، الى جانب مشاركة المنظمات غير الحكومية ودور الاجراءات الخاصة
إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"العدد 1302 - الخميس 30 مارس 2006م الموافق 29 صفر 1427هـ