ما يقوم به بعض الكتّاب في الصحافة المحلية من حملة مغرضة ظالمة تستهدف النيل من المجلس العلمائي، يعيد الذاكرة إلى أيام الانتفاضة التسعينية، إذ كانت هذه الأقلام نفسها ترقص بجنون وتطرب لتأوهات الثكالى وأنات القابعين في الزنزانات الرهيبة، وها هي الأقلام نفسها تجدد تاريخها وتعيد مواقفها المخزية تجاه مطالب الشعب، فالأقلام هي هي لم تتغير، ولم تغير أساليبها في استثمار الأزمات لإشعال نار الفتنة تحت دعاوى درء الفتنة، ويتم الدفع إليهم بسخاء مقابل هذه الأعمدة والكتابات الباهتة.
ولو رجعنا قليلا إلى الوراء لقراءة حوادث التسعينات لعرفنا جيدا الدور الذي لعبته أكثر هذه الأقلام في التأليب والتحريض ضد الحركة المطلبية الشعبية ولصق مختلف التهم بها وبرموزها. وفي قبال هذه الحملة الجائرة وتزييف وعي الناس بشأن مطالب العلماء وتحركاتهم، من حقنا أن نسأل: لو كانت هذه الأقلام مخلصة في طرحها لكنا رأينا تحركا من قبلها بالحماسة نفسها التي تتعاطى فيها مع مطالب المجلس العلمائي ضد الحملة التكفيرية التي تتمثل في توزيع الكتيّبات والأشرطة في المساجد وأماكن العمل والمدارس والجامعة وفي البيوت.
إننا ننظر إلى مسألة الأحكام الأسرية كقضية مذهبية دينية بحتة، وكل أصحاب مذهب ودين لهم ما يخصهم في هذا النطاق، ومطلب كمطلب الرجوع إلى المرجعية الشيعية في إمضاء قانون الأسرة ابتداء واستمرارا يمثل أمراً طبيعيّاً بل وضروريا، وهو مطلب لشعب مسلم لا يمكن أن يقبل أن تصاغ قوانين البلد التي ستلزمه مستقبلا على خلاف شرع الله وسنة نبيه (ص).
ثم ان الطائفة الشيعية ليست استثناء من طوائف وأديان هذه البلاد، حتى يتم قسرها على قانون بالكيفية التي تريدها الحكومة والأطراف الداعمة لها. ومسيرة نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي نطقت بصوت عال بما تطالب به الأكثرية فيما يتعلق بالقسم الخاص من قانون الأحكام الأسرية المتعلق بالمذهب الجعفري، فعلى من يتبجّحون بالديمقراطية وضع اللوم على الحكومة في إصرارها على تجاوز إرادة هؤلاء المعنيين بالقانون، بدل شن الحملات الإعلامية الظالمة التي تصل إلى حد التوسل بالأكاذيب من أجل التحريض على المجلس والعلماء.
ومن حق المجلس الإسلامي العلمائي اللجوء إلى كل وسائل الضغط المشروعة والتي كفلها الدستور والقانون، واستخدام كل الأوراق التي تحقق أهدافه بطريقة سلمية تجنب البلد والشعب دفع ضرائب أكبر نتيجة الضرب بمطالب هذه الشريحة من الشعب عرض الحائط، وسيستمر المجلس في أداء دوره الشرعي، مهما علت تلك الأصوات باستخدام ألفاظ تهويلية مفخخة عن دور المجلس.
ونذكر أنه لم يصدر قط من المجلس توجه طائفي، لا على المستوى العملي ولا في أدبياته ونشراته، وهو ينتظر بشوق اليوم الذي يتشكل مجلس أهلي واحد يمثل كلتا الطائفتين الكريمتين.
ولمزيد من التوضيح، المجلس يستهدف الشأن الديني ورعاية طلاب العلوم الدينية وشئون التبليغ، مما تقوم به الحوزات العلمية بالذات، لذلك لا تضم جمعيته العمومية إلا هذا الصنف من التخصص، وفي هذا رد على أقلام الفتنة في دعواهم بأن المجلس «دولة داخل دولة»، ونود تذكير هذه الأقلام بالدور غير المشرف لها سابقا تجاه مطالب الشعب أثناء فترة التسعينات من القرن الماضي، تلك المواقف التي أوصلتها إلى المنصب الذي تتبوأه حاليا.
إن التخريب الحقيقي هو ممارسة تزييف وعي الناس باستخدام الألفاظ المثيرة طائفيا، واستدعاء ما يحدث في العراق من جرائم على أيدي التكفيريين ومحاولة إسقاطها على الواقع بلا مسوّغ. تلك المآسي التي لم يكتب عنها مثل هؤلاء الكتّاب إلا في مقالاتهم الأخيرة المحرّضة على المجلس العلمائي.
وأخيراً، وبعد أن كثر الزيغ وتعمد الكذب من كتّاب الفتنة المدفوعي الأجر، نعيد فيما يأتي التذكير بأهم ما يطرحه المجلس فيما يتعلق بقانون الأحكام الأسرية، وهي نقاط أجمع عليها كبار العلماء الشيعة، وشاركهم فيها الكثير من علماء ووجوه الطائفة السنية:
1- إجراء تعديل على الدستور يستحدث مادة جامدة غير قابلة للتعديل بأي حال من الأحوال، تنص صراحة على أن قانون أحكام الأسرة وفق الشريعة الإسلامية، وملحق بهذه المادة بند ينص على عرض أي تغيير في القانون مستقبلا على كبار علماء البلد لإمضائه من قبل المرجعية العليا للشيعة.
2- طلب المجلس العلمائي وبقية كبار العلماء ليس طلباً غريباً ولا استثناء شاذا، فعدد من مواد الدستور جامدة لا يجوز طلب التعديل عليها بأي حال من الأحوال، كالمادة الثانية والمواد المتعلقة بوراثية الحكم كما تنص على ذلك المادة 120 من دستور 2002.
3- تزعم بعض الجهات الرسمية وبعض الكتّاب أن المادة الثانية من الدستور تشكل ضمانة لعدم حرف القانون مستقبلا، لأنها تنص على أن الإسلام دين الدولة والشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع، وهذا الكلام مردود عليه، سواء من خلال تجارب الدول الأخرى التي تنص على الأمر نفسه في دساتيرها، ومع ذلك تعرّض القانون للانحراف عن الشريعة أو من خلال واقع القوانين في بلادنا المخالفة للشريعة صراحة.
4- لو كانت في الدستور مادة تحفظ القانون وفق الشريعة فلماذا تعج مواد القانون المدني بمختلف تفرّعاته بمخالفة الشريعة، أم ان قانون الأحكام الأسرية سيكون استثناء غير قابل للانحراف عن الشريعة حتى من دون نص صريح على استثنائه؟
5- لو كانت المادة الثانية كافية لما كرّر المشرّع ذلك ووضع استثناء لأحكام الإرث في الدستور نفسه لتبقى وفق الشريعة الإسلامية، وهو البند (د) من المادة (5)، ونصه: «الميراث حق مكفول تحكمه الشريعة الإسلامية».
المدونة هي الخيار الآخر الذي يطرحه العلماء والذي يظهر بوضوح مدى الإسفاف والغي الذي انغمست فيه بعض الأقلام حين تزعم أن المجلس يعقّد المسألة من أجل عدم تقنين أحكام الأسرة، وهذه التجربة موجودة في دولة الكويت الشقيقة، إذ إن الطائفة السنية صدر لها قانون وفق المذهب المالكي، وتم إعداد مدونة للطائفة الشيعية وفق فتاوى المرجع الأعلى للشيعة.
عالم دين بحريني
العدد 1302 - الخميس 30 مارس 2006م الموافق 29 صفر 1427هـ