بالأمس كان كسوف الشمس الذي تابعه الملايين من البشر... بعضهم على الطبيعة، وبعضهم بواسطة شاشة التلفزيون التي نقلت الحدث مباشرة من ليبيا... وبالأمس قرأت في إحدى الصحف البحرينية عن نية مجلس العاصمة البلدي في استملاك عدد خمس قطع من الأراضي المملوكة في خليج توبلي بقيمة 55 مليون دينار بحريني.
كنت جالساً في منزلي أمام شاشة التلفزيون، وماسكاً الجريدة في يدي... أراقب التلفزيون بعين، وأقرأ الجريدة بعين أخرى... أشاهد عملية كسوف الشمس، وأقرأ عملية الكسوف في تبذير الأموال العامة... كل هذا وأنا أضع يدي على خدي وأقول يادي الكسوف...
الكسوف هو الخجل... ويقولون للمرأة باللهجة المصرية مكسوفة... والشمس عند العرب هي مؤنث، ولذلك يكون اختفاؤها كلياً أوجزئياً بسبب وجود القمر بينها وبين الأرض كسوف... يعني مكسوفة من القمر، الذي أصبح يراها من دون حجاب... والحجاب الذي دائماً ما تستتر به عن القمر هو الأرض... أما القمر فإن اختفاءه يسمى خسوفاً لأنه مذكر.
الخليج عند العرب مذكر... وعند غير العرب الذين يحاولون الكلام بلغتنا هو مؤنث، كأن يقولون خليجة مالتكم فيها وايد سمك... وخليج توبلي وباللغة العربية الفصحي مذكر، وعملية بيع أراضي مملوكة فيه (لا أعرف بأي حق) بهذا المبلغ الضخم تعتبر خسوف... وعملية الاستملاك بواسطة الشراء هي مؤنث، والتفكير فيها فقط هو نوع من الكسوف.
يادي الكسوف... خليج موجود في البحرين، وبه الكثير من الخير الذي يوفر الطعام لأفواه غالبية السكان الجائعة يتم توزيعه على شكل أراض... ثم يطلب الآن إعادة استملاكه بهذا المبلغ الضخم... يادي الكسوف... 55 مليون دينار بحريني لقيمة خمس قطع من الأراضي المغمورة تحت سطح المياه... يادي الكسوف... 50 دينار بحريني هي قيمة القدم المربع من أرض (خريس) ومغمورة تحت المياه .. هذا كسوف وخجل بحق الوطن.
قبل أن ندخل في تفاصيل هذا المبلغ الكبير لابد وأن نعرف أن قيمة إنشاء مدينة رياضية كبيرة، فيها أستاد كبير لكرة القدم (يسع 40 ألف متفرج) ومزروع بالنجيل الطبيعي وحوله مضمار للجري، وفيها عدة ملاعب مزروعة للتدريب، وفيها صالتها رياضة بأرضية خشبية ومدرجات للجمهور، وفيها عدة ملاعب للتنس الأرضي والاسكواش والريشة الطائرة، وفيها عدة برك للسباحة وأحدها حمام أولمبي القياسات، ومعها مواقف تسع الآلاف المؤلفة من السيارات... كل هذا بقيمة 11 مليون دينار بحريني فقط لاغير.
وبحسب ما قرأنا بالأمس فإن المطلوب هو 55 مليون دينار لقيمة 5 قطع من الأراضي، يمكن تابعين لخمسة أشخاص، ويمكن لشخص واحد... الله أعلم... المهم هو أن قيمة الأرض الواحدة هي 11 مليون دينار، يعني تساوي قيمة المدينة الرياضية... فأيهما أولى؟ والقيمة النهائية للخمس أراض تكفي لعمل ثلاث مدن رياضية كاملة، وثلاثة مستشفيات مع جميع أجهزتها الضرورية وغير الضرورية، ومدينة سكنية كاملة... فأيها أولى؟.
يابلاش... قطعة أرض واحدة قيمتها 11 مليون دينار... هذا المبلغ كم حسبته بالروبية؟... وإذا تسلمه صاحب الأرض فماذا سيفعل فيه؟... وماذا سيشتري به؟... كم غرشة بيبسي، وكم كيس مينو، وكم كافي، يمكن شراؤها بهذا المبلغ؟... كم بيت، وكم سيارة، وكم زوجة، يمكن أن يعمل هذا المبلغ؟.
المساحة المطلوب إعادة استملاكها هي كيلومتران بالطول، و50 متراً بالعرض لخمس قطع من الأراضي المغمورة تحت المياه... ما يعني أن قياس قطعة الأرض الواحدة هو 400 في 50 متراً... ومساحتها 20000 متر مربع... وإذا ضرب هذا العدد في 10 فإن الناتج يكون مئتين ألف قدم مربع... وقيمة القدم في هذه المنطقة المغمورة، والتي دائماً ما تخرج منها الروائح الكريهة التي تزكم الأنوف، لا يتجاوز النصف دينار... فيكون الناتج لقيمة كل قطعة من الأرض هو مائة ألف دينار فقط... وهذه هي الحسبة النهائية والمعقولة.
من أين سيتم توفير المبلغ الإجمالي المطلوب لاستملاك جميع الأراضي في خليج توبلي، وهو 200 مليون دينار؟... وهل هذا المبلغ سهل في بلد يعاني أغلبية سكانه من الفقر والعوز ويسكنون في بيوت آيلة للسقوط؟.
في رأيي أحسن حل هو تبديل اسم الخليج من توبلي... إلى توب لله يا مالك الخليج... أفك لكم
إقرأ أيضا لـ "سلمان بن صقر آل خليفة"العدد 1301 - الأربعاء 29 مارس 2006م الموافق 28 صفر 1427هـ