العدد 1301 - الأربعاء 29 مارس 2006م الموافق 28 صفر 1427هـ

بقرات سمان تأكلهن بقرات عجاف

حسين راشد الصباغ comments [at] alwasatnews.com

في صيف العام 1977 من القرن العشرين وأنا في بيروت خلال أول عمل دبلوماسي في هذه المدينة الزاهرة والتي لا تعرف النوم، سعدت برفقة دبلوماسي عربي صديق، إذ قمنا معا بزيارة بقعة أو بلدة ذات رواب خضراء تخلب الألباب والأفئدة من بقاع ديار الشام. أخذتنا الجولة إلى زيارة مزرعة نموذجية للأبقار تضم مئة بقرة حلوب. وهي هدية إلى إحدى دول إقليم الشام والذي نحن بصدد زيارته. وهذه الدولة الأوروبية لها السبق والريادة في تربية الأبقار وتصديرها إلى الخارج. ولفت نظرنا ونحن نتجول مع المهندس الزراعي المشرف على هذه المزرعة نظافة المزرعة المتناهية وبطرق آلية ومستمرة من أجل حفظ روث الأبقار وتجميعه في الأماكن المخصصة لذلك ثم بيعه كسماد على المزارع، وكذلك التخلص من النفايات الأخرى بصورة دورية ومنتظمة. وكذلك مكافحة الذباب والحد من تكاثره وانتشاره، ومكافحة الجرذان والقوارض في هذه المزرعة. ويشرف على المزرعة الكبيرة هذه مهندسان بيطريان وعدد محدود من العمال الزراعيين الفنيين. ونظام المزرعة يقضي بضم البقرات الإناث المولودة في المزرعة إلى قطيع الأبقار ورعايتها. وبيع العجول الذكور الزائدة عن الحاجة وغير الضرورية ويدخل هذا في رصيد وموارد المزرعة المالية.

هذا المشروع على رغم أنه حكومي فإنه روعي في إقامته تحقيق الربح التجاري حتى يمكنه الاستمرار والصمود والاعتماد على نفسه، وإذا ما نجح وتجاوز الروتين الحكومي والفساد الإداري فممكن تعميمه في بلدات أخرى حتى يلبي الحاجة المتزايدة للطلب على الألبان ومشتقاتها ويحقق اكتفاء ذاتيا للبلاد، بدل الاستيراد من الخارج الذي يكلف خزانة الدولة أموالا طائلة لا قدرة لها عليها. إلا أن الأوضاع غير المؤاتية، أو أن الرياح كما يقال تجري بما لا تشتهي السفن، هذا ما تشير إليه كل الدلائل والقرائن من خلال ما سمعته من المهندس والطبيب البيطري، والذي بدا لنا متحمسا ومخلصا لنجاح هذا المشروع إذا توافرت له كل عوامل النجاح.

إلا أنني وجدت هذا المهندس غير متفائل إطلاقا بنجاح هذا المشروع الطموح والمطلوب تعميمه على مناطق أخرى من البلاد. كان حزينا ويائسا من كل إصلاح أو تطوير في هذا المجال الزراعي والفلاحي المهم، ولاسيما في تنمية الثروة الحيوانية في البلاد العربية والتي تفتقر إلى الخبرة الحديثة، فوجدته متجهم الوجه وغير متفائل بأي نجاح أو تنمية حيوانية. وقال ساخرا: سأترك تخصصي البيطري هذا وأتحول إلى دراسة الطب البشري الذي أحببته وكنت أمني النفس أن تكون لي مزرعة أبقار خاصة ولو صغيرة بعد استفادتي من هذا المشروع الأوروبي الكبير. ولكني بعد عملي في هذه المزرعة واجهت فسادا إداريا وماليا متفشيا في هذا القطاع الحكومي الذي يشرف على المشروع، وكان علينا أن نضع في الأساس أنه مكرمة من هذه الدولة الأوروبية وعلينا أن نقابلها بالتقدير والاهتمام بينما نحن الآن نقابلها بالجحود والنكران، وأعطينا هذه الدولة انطباعا بأننا لا نستحق أي تعاون مثمر وإيجابي. وإذا زرتم هذه المزرعة في السنة المقبلة سيحل محل كل بقرة «زلمة».

هذا المشروع ذكرني بمشروع وطني طموح مماثل خلال فترة السبعينات أقيم في البحرين في قرية قلالي بمحافظـة المحرق، إذ أنشأت مزرعة نموذجية بخبرة أجنبية، كما زرعت أراض واسعة لتنتج العلف الحيواني لهذه المزرعة وغيرها، وكان مصيره الفشل والاندثار.

وتذكرني هنا حكمة لرئيس دولة الإمارات سمو الشيخ زايد بن نهيان عليه رحمة الله عندما سئل في العام 1969 من القرن العشرين لماذا لا يقوم الاتحاد التساعي والذي يضم دولة الإمارات الحالية بإماراتها السبع، إضافة إلى البحرين وقطر، ولماذا فشل الاتحاد هذا؟ فقال حكمته المعهودة: إن الخبز الذي نأكله هنا في منطقة الخليج هو من جنس الطحين العربي نفسه من الخليج إلى المحيط. وفي تونس أخبرني وزير الثقافة التونسي السابق فرج الشادلي أن ابنه طبيب بيطري، وقد حول دراسته إلى طبيب بشري بعد أن لاقى كثيراً من السخرية والتهكم على تخصصه لأنه طبيب حيوانات وبهائم

إقرأ أيضا لـ "حسين راشد الصباغ"

العدد 1301 - الأربعاء 29 مارس 2006م الموافق 28 صفر 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً