السيد محمد خاتمي كان رئيسا للجمهورية الاسلامية الايرانية ما بين 1997 و2005، ولكن زمانه لم يأت بعد، وفترة رئاسته ليست سوى تأخير لزمانه... هذه ربما كانت مشاعري عندما دعت الشيخة مي آل خليفة عددا من الشخصيات لمأدبة عشاء في متحف البحرين الوطني قبل ثلاثة أيام للترحيب بخاتمي قبيل مشاركته في برنامج «ربيع الثقافة»، من خلال محاضرة ألقاها في فندق الخليج عن حوار الحضارات.
أحد الحاضرين قال لخاتمي على العشاء «ان وجهك بشوش»، فرد عليه مازحا: «وهل يجب على عالم الدين أن يكون وجهه دائما كئيبا لتذكير الناس بالآخرة؟». وهكذا هو خاتمي، يتحدث بلغة لا يعترف بها أكثرية من يلبس لباس علماء الدين، ولا يعرفها أكثرية من يمسك بزمام الأمور في عالمنا الإسلامي الذي يعاني من أمرين - بحسب خاتمي - من «الاستبداد» ومن «التبعية»، وانه لا خلاص لمجتمعات المسلمين إلا بالتعددية والديمقراطية، ولا نهاية للتبعية إلا من خلال حوار الثقافات والحضارات.
يلاحظ المرء أن خاتمي يركز على «المجتمع الإسلامي» وليس «الإسلام»، وعن «خلاص المجتمع الإسلامي من الاستبداد»، وعن تعددية الآراء وجماعية العمل القائم على الديمقراطية... وهذه جميعها مفاهيم مازالت بعيدة عن بيئة معظم المجتمعات المسلمة.
خاتمي يفسح المجال لوجود أكثر من رأي في الجسد الإسلامي، وهذا بحد ذاته «ذنب لا يغتفر» بالنسبة إلى كثير من الأطروحات التي تسود مجتمعاتنا المسلمة التي ابتليت بـ «استبداد الرأي الواحد» وبانعدام الجانب الإنساني من المعادلة السياسية. فكثير من الأطروحات تتهم المجتمع بالتخلي عن الدين، وتحارب كل من يخالف التفسير الديني الذي ينطلق بصورة مركزية باتجاه واحد. أما الطرح الذي يؤمن به خاتمي فهو العكس تماما، اذ انه لا يشكك في المجتمع، ويعتبر أن اختناق الحياة في مجتمعاتنا ليس سببه «انحرافاً عن الدين» وانما «استبداد بالرأي».
ربما ان زمان خاتمي لم يأت بعد، وربما انه نشط وتحدث في زمان ضائع، ولذلك فإن خاتمي «لا يصلح» لرئاسة حكومة في بيئتنا المسلمة، ووجوده على رأس واحدة من الحكومات المسلمة لمدة ثماني سنوات ربما كانت مضيعة لوقته وجهوده التي ربما يستفيد منها المسلمون أكثر فيما لو كان في موقع «المشورة» وطرح الأفكار للمستقبل.
انفتاح خاتمي على «الآخر» يعتبر أنموذجا إسلاميا متطورا، لان الاعتراف بالرأي الآخر، والاعتراف بوجود بشر آخرين لهم حقوق ولهم اعتبار، مازال أمرا غير معتاد في بيئتنا الإسلامية التي قدست «الاحادية» في الطرح على مدى المئة سنة الماضية. والمشكلة التي يعاني منها المسلمون أن الطرح الأحادي (الدكتاتورية بمعنى آخر) ربط بالدين، وتم تحويل القرار في الشأن الاسلامي من «وأمرهم شورى بينهم» إلى «حاكمية» مركزية تتحدث باسم الدين، وأي «رأي آخر» ليست له علاقة بمركزية الحاكمية في الشأن العام، إنما هو «انحراف عن الصراط المستقيم».
خاتمي ربما يختم حياته في «جنيف» حيث يؤسس مركزا للحوار بين الثقافات والحضارات، وهو ربما اختار سويسرا (الغرب) مقرا لعمله، لأن فكره وطرحه غريب عن مجتمعه المسلم الذي مازال لا يستمع إليه، ولا يفقه كثيرا مما يقول
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 1301 - الأربعاء 29 مارس 2006م الموافق 28 صفر 1427هـ