العدد 2459 - السبت 30 مايو 2009م الموافق 05 جمادى الآخرة 1430هـ

أحلام الخبراء وحقائق المنطقة

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

أولت وسائل الإعلام الخليجية تصريحات المدير التنفيذي لمصرف «ستاندرد تشارترد» بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا شاين نيلسون، ومركزه الإقليمي دبي، بشأن حسن تعامل «المصارف المركزية الخليجية مع الأزمة المالية العالمية من خلال الخطوات التي قامت بها، مثل ضخ السيولة في الأسواق»، بالكثير من الاهتمام، وراحت بعض المؤسسات الرسمية تستخدمها كوسيلة لتغطية عورات سياساتها المالية التي كشفت الأزمة المالية العالمية عن جزء كبير من تشوهاتها». ولم يتردد نيلسون في حديثه مع برنامج «أسواق الشرق الأوسط CNN»، في الذهاب إلى التركيز على ما وصفه بأشكال التشابه «بين ما يعيشه الشرق الأوسط حاليا، وبين الأوضاع التي سادت قبل أعوام الدول النامية في آسيا». ومضى نيلسون في حديثه المتفائل مستعينا بتقديرات من أطلق عليهم «خبراء الاقتصاد لدى ستاندرد تشارترد» كي يجزم بأن «المنطقة لن تعيش حالة ركود، وذلك بسبب عنصر الأفضلية الذي تمتلكه مع الاحتياطيات الكبيرة التي جمعتها عبر السنوات السابقة، وتمتعها بمرونة مالية تسمح لها بالتعامل مع الأزمة».

لم نطلع على ما تحت يد أولئك الخبراء من معلومات وبيانات مدتهم بهذه الثقة العمياء في الاقتصاد الخليجي (كونه الأفضل على مستوى الشرق الأوسط) كي يتوصلوا إلى تلك النتائج التي من أكثرها خطورة القول بأن «المنطقة لن تعيش حالة ركود».

لن ندخل في نقاش نظري مع أولئك الخبراء كي نثبت لهم «نظريا» أن كل العوامل المرجحة لدخول المنطقة في نفق «ركود اقتصادي» متوفرة اليوم في اقتصاديات المنطقة، بفضل ما أفرزته آليات اقتصاد المنطقة من عناصر «منشطة» لبروز ذلك الركود، أو أنها استوردته بفضل علاقاتها التي تربطها مع اقتصاديات عالمية، مثل الاقتصادين الغربي والياباني. يكفينا عوضا عن ذلك إرجاع أولئك الخبراء وآخرين غيرهم إلى ما ورد في البيان الصادر يوم الخميس الموافق 14 مايو/ أيار 2009، عن اجتماع مجلس التفاهم العالمي في دورته الـ27 الذي عُقد في مدينة الملك عبدالله الاقتصادية برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز أن «هناك سببين رئيسين لحالة الركود الاقتصادية الحالية هما جشع المؤسسات المالية وفقدان سلطات الرقابة والتنظيم الفاعلة»، مؤكدا بأن «التوسع المالي والنقدي فقط لن ينشط الاقتصاد العالمي إلى الدرجة المطلوبة». ولايمكن أن يكون الاقتصاد الخليجي بمنأى عن هذه الحالة العالمية الشاملة.

وإذا ما حاولنا البحث عند دور العناصر الأربعة الأكثر تأثيرا في الاقتصاد عند الحديث عن «الركود الاقتصادي» والتي هي: الدولة، والاستثمارات، والخدمات المالية، وأخيرا المستهلك، فسوف نجد أنها وبشكل متفاوت، ومن جراء الأخطاء التي ارتكبتها، ساهمت في دفع المنطقة نحو ذلك الركود الذي، بخلاف ما يدعي خبراء المصرف، قد ولجته، وبحاجة إلى «نفس طويل» و»استراتيجية صحيحة» كي تتمكن من انتشال نفسها منه.

فعلى مستوى دول مجلس التعاون (رغم وفرة السيولة التي بين أيديها)، لكنها، ونظرا لفشل الكثير من المشروعات الاستثمارية، وخصوصا الخارجية منها عبر صناديقها السيادية، بخرت نسبة عالية من تلك السيولة، التي تحول البعض منها إلى مديونيات. يضاعف من تلك السلبية، العجز التجاري، وخاصة عندما تضاف إليه موازنات التسلح والأمن التي تكلف الدولة عشرات المليارات من الدولارات سنويا، والتي يصعب على دول مجلس التعاون الخروج منها من جراء الارتباطات السياسية التي تتحكم فيها مع دول غربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية.

أما قطاع الخدمات المالية وفي مقدمته المصارف، فتكفي الإشارة إلى خطأين استراتيجيين ارتكبتهما المصارف الكبرى في دول مجلس التعاون: الأول ذلك الاندفاع غير المتوازن والمبني أساسا على استقراءات مخاطرة في القطاع العقاري، وهو أكبر قطاع تسبب في اندلاع الأزمة المالية العالمية المعاصرة، والثاتي هو عدم تمسك تلك المصارف بتقنين آليات وقوانين ائتمانية راسخة تضمن حقوق تلك المصارف مع الجهات المقترضة منها، الأمر الذي يعرضها لمخاطر استيراد أزمات تلك الجهات، وهو ما يولد ما يشبه الفراغ السيولي في السوق، يقود بدوره إلى إحداث ركود يتسع بسرعة فلكية.

إذ أضفنا لكل ذلك عوامل ثانوية أخرى من نمط تشبع السوق ببضائع استهلاكية معينة، تم استيرادها من دول معينة تعاني هي من أمراض ركود اقتصادي مثل بعض دول جنوب شرق آسيا (باستثناء الصين)، وعدم قدرة المواطن الخليجي على تغيير السلوك الاستهلاكي المبذر الذي اكتسبه خلال فورتي أسعار النفط خلال الأربعين سنة الماضية، سنكتشف أن الحديث عن تحاشي المنطقة دخول مرحلة من الركود الاقتصادي، هو ضرب من أحلام التفاؤل التي يحاول أن يبثها طبيب نفساني في روح مريض مقبل على الانتقال من مرحلة مبكرة إلى مرحلة خطرة من مرض عضال.

الفرق الوحيد بين ما يقوله ذلك الطبيب، وما يبشرنا به خبراء البنك، هو أن المريض حالة فردية معزولة، بينما الركود مرض اجتماعي/ اقتصادي يمس جوانب أخرى من أداء المجتمع الذي يضر به.

نقطة أخرى، أنه باستثناء، كما أشرنا أعلاه، تلك السيولة المحدودة المتوفرة لدى بعض دول المنطقة، لاتمتلك هذه المنطقة أي من مقومات الاقتصاد المطلوب توفرها لتمكينها من الصمود في وجه أزمة من نمط تلك التي تعصف بالعالم أجمع، دع عنك قدرتها على تحاشي الإصابة بركود اقتصادي، هو في صلب تلك الأزمة، وأحد عواملها الأكثر ملاءمة للتصدير من أسواق الدولة التي ولدته، وأسرع انتشارا في صفوف الدول التي تستورده، وتغلغلا في قنوات اقتصادها المختلفة

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2459 - السبت 30 مايو 2009م الموافق 05 جمادى الآخرة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً