بعث أحد المواطنين الغيورين على بلدهم رسالة عنونها إلى جميع رؤساء تحرير الصحف يطلب فيها ابعاد الكتابات الصحافية عن التعليقات ذات المضامين الطائفية، والتي لا تخدم مجتمعنا البحريني الصغير، في إشارة إلى تصاعد العنف في بعض الفعاليات وازدياد وتيرة التعليقات والتصريحات والخطابات الطائفية المصاحبة لهذه الحال.
بالنسبة إلى الطرح الطائفي الممقوت انسانياً، فإنه من المؤكد أن أي اصطفاف على أساس انتماءات أخرى غير الوطن من شأنه اضعاف النسيج الاجتماعي. وهذا لا يعني أن يتخلى المرء عن انتماءاته التي يولد معها، ولكن يعني أن المواطن عليه أن يقدم مصلحة مجتمعه أولاً، وإذا كانت مصلحة المجتمع في تجاوز التقسمات الفئوية الصغيرة فإنه من الواجب انتهاج ذلك.
الصحافة لها دور في تأجيج أو معالجة الجوانب السلبية في الانتماءات، ولكنها ليست الوحيدة في ذلك. فمرض الطائفية ازداد أثره بسبب مجريات الأمور في المنطقة، ولكنه بالنسبة إلى البحرين يعتبر مشكلة تاريخية معقدة ومتداخلة سببها التمييز الذي صاحب نمط التعامل الرسمي خلال العقود الماضية مع فئات المجتمع. وعليه، فإن الانفتاح السياسي الذي ننعم به من شأنه ان يكشف عن تلك المشكلة، والخيار امام الدولة والمجتمع ومن بيدهم الإمكانات الاقتصادية للخروج من المآزق الطائفية التي تحيط بنا.
حوادث الشغب - التي يدينها كل محب لوطنه - لها جذور، ويجب فهم تلك الجذور بهدف معالجتها على المدى البعيد، مع عدم السماح لها، لأن الخطأ لا يبرر الخطأ. فهناك فئات من المجتمع استشعرت الحرمان على مدى فترة طويلة، وبالتالي فإنها قد لا تخسر الكثير عندما تتحرك من خلال أساليب يتضرر منها البلد بصورة عامة. فبعض الشباب اليافع الذي يخرج من أجل ان يحرق أو يواجه قوات الأمن عاش في أجواء محبطة أحاطت به من كل جانب وأشعرته بالغربة عن وطنه. فالتمييز الذي عانت منه البحرين خلق طبقة من الناس تشعر بالحرمان المستمر وبالفقر... وعلى رغم أن الفقر الذي نتحدث عنه نسبي، فإنه يبقى فقراً، و«الفقر في الوطن غربة»، كما يقول الإمام علي (ع). وعليه فإن مواجهة جذور المشكلة تتطلب الاعتراف بها أولاً، ومن ثم طرح العلاج المباشر وبعيد المدى. فعلى المستوى المباشر، إننا بحاجة إلى خطاب آخر يوجه طاقات الشباب إلى الممارسة السلمية فقط، وعدم تبرير اللجوء إلى اساليب العنف بأي شكل من الأشكال. وهذا يتطلب حكمة من كل الأطراف الرسمية والمتصدرة للساحة، لأن هناك من يعتقد أن العمل السلمي يعبر عن الضعف، والواقع هو أن الفعاليات السلمية هي الشجاعة وهي تعبير عن صلابة الارادة امام التحديات والمؤثرات.
ثم ان علينا ان نتوجه للتمكين الاقتصادي لجميع فئات المجتمع. فحالياً يكثر الحديث في البحرين عن التمكين الاقتصادي للمرأة، وهو أمر جيد، ولكننا أيضاً نحتاج إلى التمكين الاقتصادي لجميع فئات المجتمع، لاسيما تلك التي تشعر بأنها كانت ومازالت ضحية للتمييز ضدها. وهذا التمكين تم تجريبه في دول كثيرة، من بينها أميركا وبريطانيا، التي كانت تعاني من اضطراب الأوضاع المجتمعية بين فترة وأخرى بسبب تحرك السود أو الآسيويين هنا أو هناك، ولم تهدأ الأمور إلا بعد تمكين تلك الفئات اقتصادياً وربط مصالحها مع مصالح فئات المجتمع الأخرى
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 1300 - الثلثاء 28 مارس 2006م الموافق 27 صفر 1427هـ