أربعون عاماً مضت على قمة الخرطوم التي اشتهرت آنذاك بانها قمة «اللاءات» الثلاث الشهيرة التي أطلقها الزعماء العرب آنذاك ضد «إسرائيل» إذ قالوا لا لصلح مع «إسرائيل»، ولا لتفاوض معها، ولا للاعتراف بها.
أربعون عاماً مضت على قمة الخرطوم وهاهم القادة العرب يجتمعون في الخرطوم مرة ثانية بعد تلك الأربعين العجاف؟ كل شيء تغير حتى تلك اللاءات الشهيرة التي ذهبت أدراج الرياح ربما بفعل عوامل التعرية التي تعري البشر كما تعري الحجر.
الشارع العربي لا يحمل تفاؤلاً كبيراً بنتائج هذه القمة، وربما كانت نتائج القمم السابقة وراء عدم هذا التفاؤل الذي يزداد يوماً بعد آخر، ولعل ازدياد المشكلات بين العرب عاماً بعد آخر يدفع هو الآخر الى مزيد من التشاؤم.
يجتمع القادة العرب في الخرطوم وأمامهم كم كبير من القضايا، وكل قضية أكبر من اختها فماذا تراهم فاعلون؟
السودان - البلد المستضيف - عانى من مشكلات كثيرة أضعفته الى حد الاعياء، ومازال يعاني من مشكلة «دارفور» التي ربما تحوله الى دويلات متقاتلة ان لم يجد العرب حلاً سريعا لهذه المشكلة.
الأميركان لهم رؤية خاصة في «دارفور» هذه الرؤية تمثل مصالحهم الاستعمارية التنصرية في إفريقيا، كما تحقق بعض الأهداف الصهيونية، وهاهم اليوم كما نراهم يصرون على تحقيق رؤيتهم في «دارفور» ويضغطون هنا وهناك - سرا وعلانية - وسيستمرون في ضغوطهم ان لم يجدوا من يقف امامهم بكل حزم وجدية.
حكومة السودان ساهمت في خلق هذه المشكلة وعليها ان تعمل يجد على حلها، وعلى مصر - خصوصاً - أن تدرك ان حل هذه المشكلة بعيداً عن أميركا وأعوانها يصب في صالحها مباشرة فأية مصيبة تحل في السودان ستنعكس على مصر مباشرة وبطبيعة الحال فإن القمة العربية معنية هي أيضاً في رفض كل المحاولات الأميركية للتدخل في السودان، وعلى العرب أن يحلوا مشكلاتهم بأنفسهم.
يجتمع القادة في الخرطوم وامامهم مشكلة سورية ولبنان، وهي مشكلة كبرى ان لم يتفهم العرب خطورتها فإنها ستكون المسمار الذي يدق في نعش الجميع.
المشكلة لن تقف عند معرفة من قتل الحريري ومحاسبته ، لكنها ستتعدى ذلك - ان لم تحل - الى إعطاء الفرصة للأميركان واليهود للتدخل المباشر في سورية ولبنان.
اليهود لا يخفون هذه المطامع، والأميركان لا يخفون تأييدهم لليهود في كل شيء، وهم - الأميركان واليهود - ينتظرون الفرصة المناسبة للانقضاض على هاتين الدولتين وارغامهما على تحقيق المصالح اليهودية فيهما.
واذا كان هؤلاء الغزاة - أميركا وإسرائيل - يعملون لمصالحهما فإن السوريين واللبنانيين لا يعملون - كما نرى - لتحقيق مصالحهما ان لم يكن العكس في بعض الأحيان ما يعطي العدو المتربص الفرصة تلو الأخرى.
ومشكلة العراق تحتل مرتبة متقدمة في اجتماعات القمة - هكذا اعتقد - وهي مشكلة تتعقد عاماً بعد آخر، وعلى رغم انعقاد قمم عربية سابقة فإنها لم تجد حلا لمشكلة العراق واحتلاله.
مشكلة العراق انه بلد «محتل» والمشكلة الاعظم ان بعض ابنائه لا يعترفون بانه «محتل» ويرفضون الاعتراف بالمقاومة المشروعة، بينما البعض الآخر يراه محتلاً ويرى مشروعية المقاومة وانها في الصدارة من اهتماماته.
والأدهى من ذلك كله ان أميركا هي المحتلة، وأميركا تثير الرعب في بعض النفوس، وتفرض على آخرين تبنى آرائها وأفكارها حتى في احتلالها لبلادهم. وامام هذا كله ماذا سيصنع القادة العرب في قمتهم؟ هل سيطالبون بإخراج المحتل؟ وهل امامهم خطط عملية لانهاء القتال في العراق؟ وهل سيجدون حلا لموضوع تقسيم العراق؟ وماذا سيفعلون في مسألة إيران والعراق؟
أسئلة حائرة وكبيرة فهل سيتعامل معها القادة بما تستحقه من اهتمام؟
مشكلات العراق ان استمرت لن تقف عندها، والكل يعرف خطورة هذه المشكلات على العرب عموماً وعلى منطقة الخليج خصوصاً، ولكن المعرفة وحدها لا تكفي. فهل سيجد القادة حلا عمليا وسريعاً حتى وان اغضب الأميركان؟
ومشكلة فلسطين هي الأخرى مشكلة مزمنة وكل الاجتماعات السابقة بحثت هذه القضية، ولكنها كلها لم تجد حلا عمليا ولا شبه عملي لهذه القضية.
كما قلت في قمة الخرطوم سنة 1967م كانت اللاءات الثلاث الموجهة لإسرائيل، لكن هذه اللاءات ذهبت ادراج الرياح، وجاءت قمة بغداد في مايو/ أيار 1978م ورفضت هذه القمة اتفاق «كامب ديفيد» الذي وقعه الرئيس السادات مع «إسرائيل» وكان القادة غاضبين آنذاك فاتفقوا على نقل الجامعة العربية من القاهرة الى تونس تعبيراً عن غضبهم ورفضهم لأي صلح من «إسرائيل».
واستمر هذا الرفض، كما استمر الحديث عن دعم فلسطين، ففي قمة بغداد الاستثنائية العام 1990م شدد الحاضرون على ان القدس يجب أن تكون عاصمة فلسطين.
وفي قمة القاهرة سنة 2000م اقرت القمة دعم الانتفاضة كما أقرت إنشاء صندوقين لدعم القدس والانتفاضة الفلسطينية.
وجاءت قمة الجزائر سنة 2005م فاختفت اللاءات وكان الاقرار بمسألة السلام مع «إسرائيل» وكان هذا السلام مشروطاً بان الأرض مقابل السلام، كما كان مشروطا باستعادة كل الأراضي المحتلة في سورية ولبنان والتأكيد كذلك على أن القدس هي عاصمة فلسطين.
والسؤال: ماذا سيفعل القادة في هذه المسألة في اجتماعهم اليوم في الخرطوم؟ هل سيقدمون دعماً حقيقياً لفلسطين؟ هل سيدركون حجم الخطر الذي تتعرض له فلسطين؟ الاحتلال المستوطنات رفض القيادة الجديدة «حماس» ووصفها بالإرهاب، والمحاولات اليهودية والأميركية للضغط على حكومة حماس وإفشالها وإحداث اقتتال داخلي في فلسطين؟
أمام القادة كم «كبير من المشكلات - بعضه ما أشرت إليه - وهناك غيره، وكل هذه المشكلات تؤثر على العرب ودولهم ومستقبلهم.
النوايا الصادقة، والعمل المخلص كفيلان بحل المشكلات العربية، واعتماد القادة على شعوبهم يعطيهم القوة والثبات.
الاجتماعات وحدها لا تفكي، فقد مل الشارع العربي هذه الاجتماعات، وهو يريد اجتماعات تحقق له الخير بكل جوانبه.
نريد «نعم» للوحدة العربية الشاملة، ونريد «نعم» لمساعدة فلسطين والعراق وانقاذهما من الاحتلال، ونريد «نعم» للإصلاح الشامل في كل بلد عربي.
هل تتحقق هذه «النعمات» ام ان هذا الاجتماع سيكون مثل الاجتماعات الأخرى؟ دعونا نتفاءل هذه المرة
إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"العدد 1299 - الإثنين 27 مارس 2006م الموافق 26 صفر 1427هـ