العدد 1299 - الإثنين 27 مارس 2006م الموافق 26 صفر 1427هـ

نقاش متجدد عن «الكوتا» المجتمعية وميثاق الشرف

فريدة غلام إسماعيل comments [at] alwasatnews.com

تحت عنوان مليء بالمغالطات نشرت إحدى الصحف المحلية الجمعة الماضي نتائج الحلقة الحوارية التي نظمتها 12 جمعية نسائية يوم الخميس 23 مارس/ آذار 2006. ففي الصفحة الأولى كتبت «20 في المئة للنساء في قوائم الانتخابات البلدية والنيابية: جمعيات نسائية تقر (الكوتا) بالجمعيات السياسية». ونشرت الصحيفة تكملة المقال في الصفحة الرابعة تحت عنوان مكمل يحدد «30 في المئة للمقاعد الإدارية و20 في المئة للقوائم الانتخابية»، وغياب جمعيات الرجال: «تظاهرة نسائية» تقر (الكوتا) وتمررها للجمعيات السياسية». وأحسب أن العناوين اختيرت للإثارة الصحافية كالعادة، أو لعدم إلمام كتبة المقال بمضمون وتفاصيل الفكرة، على العادة أيضا.

ولابد من الإضافة أن العنوان من الناحية الصحافية كان أخاذا، خصوصا لغير المدرك لتفاصيل العمل النسائي في الجمعيات النسائية وفي الجمعيات السياسية. إلا انه من الناحية الواقعية حمل العنوان الكثير من المغالطات من حيث المضمون والمعلومات الخلفية. ولربما افترض من قرأ العنوان وجود علاقة عضوية وتنظيمية بين الجمعيات النسائية والجمعيات السياسية تسير الأولى عبرها الأخيرة في صورة معاكسة لما كان يتصوره البعض أو مازال يتصوره من تسيير من قبل الجمعيات السياسية لتلك النسائية. ولربما افترض البعض أيضا بعد القراءة أن إلزاما للكوتا قد أقر من قبل الجمعيات النسائية بالنيابة عن الجمعيات السياسية لتنفذه الجمعيات السياسية، على رغم غياب غالبية الجمعيات السياسية عن الحلقة الحوارية وعدم علمها بالموضوع وعدم الاستئناس برأيها ومشورتها.

والحقيقة أن بعض الجمعيات السياسية تناولت الفكرة بين أعضائها ومع الجمعيات السياسية الأخرى منذ زمن طويل، فمنذ العام 2004، أي منذ ما يقارب العامين تصدرت جمعية العمل الوطني الديمقراطي طرح مفهوم الكوتا المجتمعية لنصرة المرأة وتمكينها من تبوء مراكز صنع القرار وفي جميع المجالات. في مجال المناصب الحكومية مثلا، والتي تعد المجال الأسهل، وفي شركات ومؤسسات القطاع الخاص والعام والنقابات وفي الجمعيات السياسية والأحزاب والمجالس التمثيلية المنتخبة. عندها بدأت عملية التوعية بشأن المفهوم، وقد شملت عددا من الجمعيات النسائية الفاعلة التي كانت تتدارس اتفاق «سيداو» وترغب في الاستزادة عن مفهوم التمييز الايجابي وحق الحصة المحفوظة كآلية مؤقتة لمقاومة التمييز السلبي الاجتماعي تجاه المرأة، وجاءت هذه التوعية بحسب اهتمام ورغبة الجمعية الواحدة، وبعد فترة انصرفت جمعية العمل للتخصص في موضوع الكوتا الحزبية، وتدارست تطبيق الموضوع داخليا. كما طرحت تجارب الكثير من الأحزاب في البلدان الغربية والعربية وأشهرها الدول الاسكندنافية وبريطانيا والأردن والمغرب.

وكما توقعنا، لم تلق فكرة الكوتا المجتمعية ترحيبا عاما، خصوصا بعد أن أعلن المجلس الأعلى تحفظه عليها معللا تحفظه بلا دستورية الكوتا ومخالفتها مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة، المنصوص عليه في الدستور، وللعلم فان أكثر من 88 دولة في العالم تطبق اليوم نظما مختلفة للكوتا تتراوح بين إدراج نصوص دستورية أو تعديل لقوانين الانتخاب أو فرض قانوني على الأحزاب، وبالتالي انتفى الجدل عندها بشأن اللادستورية وأصبحوا متوافقين مع الدستور.

يبدو أن الملفات النسائية اليوم يتم تداولها بتداخل بين الجمعيات النسائية والسياسية، وهذا أمر حميد بل مطلوب شريطة وضوح عمق واتساع مساحات المدافعة وآليات العمل والمنطلقات. فمن أجل تحقيق الأهداف المشتركة للنهوض بواقع المرأة البحرينية في المجالات المتعددة ينبغي فرز الأدوار وإعطاء كل جهة ما تتقن عمله وتتميز فيه كخبرة. فلا نتصور أن تقود الجمعيات السياسية ملفات تبقى الريادة فيها للجمعيات النسائية مثل ملف قانون أحكام الأسرة وملف مناهضة جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وملفات العنف والتمكين الاقتصادي والبيئي وغيرها. إلا أن هذه مجالات للدعم والمساندة من قبل الجمعيات السياسية ويتوجب عليها في ظل جداول أعمالها وإمكاناتها المتوافرة دعمها ما استطاعت إلى ذلك سبيلا. كما أن هناك ملفات أخرى تقودها الجمعيات السياسية بجدارة من واقع خبرتها ومعاشها اليومي مثل برامج التمكين السياسي والدورات التثقيفية السياسية والتوعية السياسية وإدارة الحملات الانتخابية وغيرها.

إن التجربة المغربية في اعتماد اللائحة الوطنية للنساء قبيل الانتخابات الأخيرة خير مثال لتداخل وتعاون الجمعيات السياسية والنسائية. فقبيل الانتخابات التشريعية الأخيرة التي عقدت في 27 سبتمبر/ أيلول 2002، كونت النساء في الأحزاب السياسية المغربية لجنة أسمينها «لجنة التنسيق الوطني»، من تجمع نساء تسعة أحزاب من مختلف الاتجاهات اليمينية واليسارية من أجل وضع آلية تضمن وصول المرأة لمراكز صنع القرار.

درست تلك اللجنة تجارب الدول العربية الأخرى التي نجحت في هذا المجال في وقت من الأوقات، واتصلت بالجمعيات الأهلية العاملة في المجال، للدعوة إلى اعتماد تدابير تحفيزية لرفع نسبة الترشيحات النسائية، واتخاذ التدابير القانونية بالمطالبة بنسبة 20 في المئة باعتبارها حدا أدنى للترشيحات، ورفعت النساء المتحالفات مذكرة إلى قيادات الهيئات السياسية مؤكدات ضرورة مشاركة النساء في المؤسسات المنتخبة كشرط أساسي لتحقيق الانتقال الديمقراطي، وطالبن بتخصيص 20 في المئة من إجمالي المقاعد البرلمانية للنساء كآلية موازية لنظام الاقتراع، واعتماد لائحة وطنية للترشيحات النسائية من طرف الأحزاب تخضع للاقتراع.

ومن طرفها دعمت الهيئات والمؤسسات النسائية والمدنية هذه الأجواء مطالبة بتحسين وضعية المرأة المغربية، بغية تمكينها، وشرعت النخبة السياسية المغربية الخوض في التوافق بين مختلف مكوناتها الحاكمة والمعارضة على تخصيص 30 مقعدا للنساء في انتخابات 27 سبتمبر 2002. وفي 4 سبتمبر 1997 عدل القانون الانتخابي ليسمح باللائحة الوطنية التي تضم 30 عضوا، إلا ان القانون لم يقصرها على النساء لمخالفة ذلك للفصل التاسع من الدستور المغربي الذي يساوي في الحقوق السياسية بين المرأة والرجل.

وتفاديا للإشكال القانوني، لجأت لجنة التنسيق الوطنية إلى إقناع الأحزاب السياسية بتوقيع ميثاق شرف لوضع النساء فقط ضمن اللائحة الوطنية لكل حزب، إذ إن للحزب الحرية في ترشيح من يراه مناسبا لتمثيله على لوائحه الحزبية والتزمت الأحزاب بهذا الميثاق الذي تبلور في فوز 30 مرشحة من اللائحة الوطنية ليشهد البرلمان المغربي وضعا كان زمانا أشبه بالحلم.

الناشطات في عدد من الجمعيات السياسية البحرينية اليوم مستهديات بالتجربة المغربية، يتداولن نموذجا بحرينيا لتعزيز المشاركة السياسية للمرأة والوصول بها إلى مراكز اتخاذ القرار داخل تنظيماتهن السياسية وعلى قوائم الترشيحات الانتخابية، مدركات محددات العمل السياسي والنضج الحزبي والرسمي في المغرب عنه في البحرين. وعلى رغم استحالة استنساخ التجربة المغربية بحذافيرها فإن الاقتداء بأخلاق التعامل فيها نقطة مضيئة ينبغي تعزيزها بين جميع الشركاء لدعم قضايا المرأة البحرينية من حيث التعاون الايجابي الخلاق المبني على احترام الأدوار والاعتراف بالخبرات المتراكمة لدى كل شريك.

كاتبة بحرينية

إقرأ أيضا لـ "فريدة غلام إسماعيل"

العدد 1299 - الإثنين 27 مارس 2006م الموافق 26 صفر 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً