عندما أسافر إلى الغرب واجلس هناك ينتابني شعور غريب... أشعر أني انسان، أتنفس الحرية وكل شيء يدعو للتفاؤل والحياة والرغبة في التنمية والاصلاح والشفافية وحقوق الانسان.
فعلاً، الغرب مثال حقيقي لصناعة الانسان التنموي المنتج الحضاري. نعم الحضاري، لولا بعض الأخطاء الأخلاقية التي تمارس، وعلى رغم ذلك تجد الإنسان يعيش حياته كادحاً لكنه بعد الكدح يجد الكثير من المتعة.
مجانية التعليم والصحة متوافرة، والقانون يحمي حرية الصحافة والحريات العامة وحرية الأديان. في بعض المناطق المسيحية تجد الجوامع والمساجد أكثر من الكنائس وتكثر وتزيد حتى في روما، ولا أحد يسأل عنك أو يضايقك بشيء.
هذه الشعوب مثال حي للشعوب المنتجة ويأتي السؤال: لماذا كل هذا التعايش والسلم الأهلى بين الأديان؟ لماذا جامعاتهم أفضل من الجامعات العربية في الكيف والنوعية؟ لماذا مناهج التدريس في العلوم الإنسانية متطورة بشكل مذهل؟ لماذا هم غزوا الفضاء وسيغزون المريخ ونحن مازلنا نناقش أيهما سبق: بيضة هذا المسلم أم دجاجة ذاك الآخر؟
لماذا عندما نمرض - بما في ذلك مشايخنا - نسافر إلى المستشفيات الكافرة في نيويورك ولندن وباريس؟ هناك الكثير من المشايخ المشهورين في العالم العربي يشتمون الغرب وتجد أبناءهم يدرسون في أفضل الجامعات الأميركية!
في لندن يحق للمرأة - والاسلام ليس ضد ذلك - ان تتقلد منصب رئاسة الوزراء، ثاتشر مثالاً، ونحن في العالم العربي تحرم من ركوب الحمار فضلا من سياقة السيارة، كما يحرم عليها ذلك في السعودية، ويتم الضغط على الدولة كيلا تسن قانوناً يسمح لها بذلك؟ في عالمنا العربي يراد للمرأة أن تكون كالبقرة محشورة في زريبة ذكورية الرجل حتى حقوقها تصبح محرمة عليها!
لماذا ليس لدينا استوديوهات عربية على طريقة هوليوود في الإخراج والفن والتأليف؟ إذا أين مساهماتنا في الحضارة والتطور الإنساني والتنمية؟
نقول ونسكب في عقول شبابنا في حدية بالغة: (الكافر الغربي لعنه الله) إلخ، هذا (الكافر الغربي) محترم في دولته، في الراتب والسكن والصحة والتعليم وممارسة العبادة وفي كل شيء، وماذا عنا نحن العرب؟ نعيش حروباً طائفية، ونرضع أبناءنا بدلا من حليب الوحدة الوطنية نرضعهم حليب الطائفية؟
نعلم شبابنا - عبر الخطب العصماء - على الثنائيات البغيضة، سني في قبال شيعي، مسيحي في قبال مسلم، أعجمي في قبال عربي، وفي البيت الواحد الف تقسيم، وهكذا حتى إذا ما توافر المناخ المفخخ انفجر الشباب ألغاماً في وجوهنا ووجوه أوطاننا! فلنعلمهم ان القيمة الانسانية أكبر من الايديولوجيات. يكفي ان هذا الإنسان إنسان لتحترمه وتحترم مقدساته. لست مطالباً باعتناقها ولكن احترمه للقاء الانساني. ان نعلم الناس على المشتركات، ان نعلمهم ان الوطن جامع للجميع، والمواطنة مظلة للجميع، وان قيمة الحياة في الاختلاف والتنوع، وان في التنوع ثراء الانسانية، وان الامم الحضارية هي من تستفيد من ايجابيات بعضها بعضاً، وتنتقد بسلم وبتحضر وأدب سلبيات الآخر من دون الدخول في مساحة الإكراه والقهر والعنف.
التركيز على الدولة المدنية مسألة مهمة والبحث عن دعم حقوق الإنسان وقيم المواطنة مسألة في غاية الأهمية أيضا، والبحث عن لغة احترام الآخر وطقوس الآخر طريق للسلم الأهلى والوطني واشتغال المجتمع عبر سلطة المجتمع المدني وترسيخ فكر المؤسسات يقيها من مزالق وهلاك نظرية الفكر الاحادى التسلطي للبطل أو الفرد أو الرمز. تقليل جرعات السياقات الجمعية تعطي الفرد فرصة للتفكير والنقد والمساءلة والبحث عن مسار عقلي يوصل الإنسان إلى الفردوس في الدنيا أيضا. نبذ التعصب للعرق والطائفة والفرقة والانفتاح على إضاءات الآخر - عبر حوار الحضارات - بعيداً عن التسييس يوصل المجتمع إلى حيث الأمان والاطمئنان. الغرب عاش حروباً عالمية وحروبا أهلية، لكنه أخيراً فهم الحياة فتوقفت حروبه، فهل نفهم نحن المسلمون ذلك؟ يجب ان نعمل على صوغ شباب مسلم جديد، غير متوتر، منفتح حضاري يقدر الحوار، غير مشحون بمسبقات حكمية ضد الآخرين، قارئ معرفي باحث عن الحقائق العلمية غير مؤجر عقله للتاريخ ليلعب في حاضره ومستقبله، ناقد يمتلك أدوات المساءلة والتفكيك والمراجعة، معتز بذاته يرفض أن يكون بعيراً في حضرة الآخر وقد خلقه الله خليفة في الارض
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 1298 - الأحد 26 مارس 2006م الموافق 25 صفر 1427هـ