أخيراً... بدأ بعض أجنحة «الموالاة» يقترب من استيعاب أن ما يحدث في البحرين له جانب اقتصادي وسياسي واجتماعي، ومن الخطأ النظر إليه على أنه جانب أمني فقط.
أخيراً... بدأ البعض يكتشف وجود شيء اسمه «طبقة وسطى» تتآكل، (وبعد أسطر يقول إنها انقرضت!)، هي في الواقع تتعرض إلى تفتيت تحت مطرقة العولمة وغزو «الليبرالية المستبدة»، كما شخصها الكاتب الراحل رمزي زكي منذ أكثر من عقدين.
ولفرط الحماسة لهذا الاكتشاف، بدأوا يفكرون في تقديم الحلول «الاقتصادية»: «ضخ جرعات سريعة من المال خلال العامين المقبلين»، فهكذا يتصورون الحلول لأحد أكبر الأزمات التي تواجه اقتصادنا ومجتمعنا! ولأنهم اعتادوا التفكير بطريقة «أمنية»، فإن «تنظيراتهم» جاءت محملة بالهواجس الأمنية لمواجهة ذلك الانحدار!
علها تكون صحوة تبشر بانقشاع الغيوم عن البصيرة، فيركزون على تشخيص أسباب المرض بدل إطالة «الهدرة» في الأعراض. فالطبيب لا يقف كثيراً عند العطاس وكمية ما يرشح من الأنف من مادة، إنما يسأل المريض عن نظافة منزله وبيئته وطعامه... ليرى العوامل المسببة للحساسية والاحتقان.
على الجانب الآخر من سفينة «الموالاة»، هناك من لايزال يصر على حل أزمات السياسة والاقتصاد بتوزيع الورد و«المتاي»، محاولاً إقناع نفسه على انها حملة وطنية تشارك فيها «جموع غفيرة» من الناس، ومن مختلف الطبقات والطوائف والأجناس!
هذه الشريحة من الكتبة الجدد، التي نصبت نفسها مدافعا عن حقوق إحدى الطائفتين، تختزل كل مشكلات البلد في قضية تصادم مجموعة من «الشرطة» ومجموعة من «المخربين»! ضيق الأفق لا يسمح لها بالنظر لما هو أبعد من حذائها، لذلك تكون استنتاجاتهم «دواعيسية»، أقرب للخبطات الدالة على انحسار شديد في الوعي وقصر في الرؤية السياسية.
قبل ليلتين، وفي ندوة بأحد المجالس، لم يتردد أحد «زعماء» المرحلة من القول إن هناك «أزمة ثقة بين السنة والشيعة»! وكررها في بداية ونهاية موعظته، مخاطباً المستمعين: «انسوا عنكم عيش الحسين وبلاليط الجماعة». فـ «حنه نجاملهم وهم يجاملونه»، فهذه هي «الثقافة» التي يريد لها أن تنتشر في البحرين. غاية طموحه أن تقوم الحواجز بين فئات الشعب، وتتنافر القلوب وتقسو الأفئدة على بعضها، ويتقوقع الجار عن مخالطة جاره، فهو المتسبب في كل أنواع البلاء. انسوا الأراضي والإسكان وقضايا الصحة و... وانسوا أنواع الفساد المختلفة... فليس هناك غير «عسكر وحرامية» في هذا البلد!
الخطورة في هذا الخطاب الديماغوجي، أن تتلقفه جهات رسمية وتصفق له، وتنعكس تشديدا في الأحكام ومبالغة في العقوبات (باعتراف الموالين)، بما يهز الثقة باستقلالية القضاء، وإعادة بعض بنود «قانون أمن الدولة» لتطبيقها بأثر رجعي كما حدث في فترات ماضية، (من نوع تجريم تجمع أكثر من خمسة أشخاص!). وحتى في هذه الحال لن يعدم الحكم من وجود من يصفق ويصفر له، على الخطوات «الأمنية» التي ستنقذ العباد وتخلص البلاد من كل الأزمات، ويعيش شعب البحرين في سعادة وهناء
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1298 - الأحد 26 مارس 2006م الموافق 25 صفر 1427هـ